لا شكّ أن تعامل إيران مع انتشار فايروس "كورونا" لم يكن مثاليا، الأمر الذي وضع إيران في مهبّ الانتقادات، خصوصا بعد إعلان إصابة الرجل الذي كان يتلو بيانات وزارة الصحّة ويدعو للتنبّه والوقاية، بينما هو لم يطبّق ما يدعو إليه.
لكن، رغم كل شيء، إن التعاطي الإيراني مع الازمة لم يصل الى المستوى السيّء الذي وصلت اليه اتّهامات الجمهورية الإسلامية، حتى أن البعض أتهمها بتصدير "الفايروس"، وهناك من اعتبر أنّها أخفت الإصابات به عن شعبها لحثّهم للتوجه الى صناديق الإقتراع، ولكن هذا الأمر تنفيه بشدّة نسب المشاركة، كذلك تعاني إيران كل يوم من حجم هائل من الإشاعات التي تُرمى في "الأسواق الإعلاميّة"، وآخرها أمس كان نشر وثيقة قيل أنها رسالة استقالة وزير الصحّة الإيراني، وفيها يعلن استقالته من منصبه ويكشف أن السلطات حجبت عن الناس الحجم الحقيقي لانتشار "الفايروس"، متحدثا في الرسالة المنسوبة اليه عن 10 آلاف إصابة، و468 ضيحة.
قد يكون فايروس "كورونا" الذي شغل العالم قد أزاح الأنظار قليلا عن نتائج الانتخابات الإيرانيّة، ولكن أولا يجب الإشارة الى أن أزمة الفايروس العالمية لم تمرّ بسلام على العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركيّة. فرغم تفشّيه في العديد من المدن الإيرانيّة وخصوصاً في طهران وقم، لا تزال الاتهّامات الأميركية توجّه للسلطات الايرانية بأنها أخفت تفاصيل أول اصابة في مدينة قم من أجل الانتخابات النّيابية التي حصدت أدنى مستوى مشاركة منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية بعد تفشّي الوباء.
كان لافتاً السجال غير المباشر الذي حصل بالأمس بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني حول اخفاء ايران بعض تفاصيل انتشار الفايروس في ايران. ما حصل على مواقع التواصل، يؤكّد أن أيّ حدث عالمي لا يمكنه أن يخفّف من وطأة الصراع بين البلدين. إلا أن كلام شمخاني لا ينحصر في الردّ على بومبيو، بل يذهب أبعد من ذلك ليكون شبه اعتراف رسمي من ايران بمسؤوليتها عن اسقاط الطائرة الأميركيّة في افغانستان بعد أن تساءل "لماذا لم تعترف أميركا بعد بما حصل لطائرة التجسس هناك".
بالعودة إلى الانتخابات الأخيرة لمجلس الشورى في ايران، فقد شهدت أضعف نسبة إقبال منذ عام 1979 بعد أن بلغت 42.6 في المئة فقط، وعزا التيار المُحافظ هذه النسبة إلى سوء الأحوال الجوية، وانتشار فايروس "كورونا"، بينما اعتبر الفريق الإصلاحي أن السبب هو أن لجنة تنظيم الانتخابات التي يسيطر عليها المحافظون أقصت نصف المرشحين البالغ عددهم 16 ألفا، وأغلبهم معتدلون وإصلاحيون.
يُمكن تفسير نسب الإقبال المتدنية بأكثر من طريقة، ومما لا شكّ فيه أن إحدى الطرق هو انتشار الفايروس، وربما هذا السبب هو ما يحاول المحافظون نشره وتعميمه، بينما يحاربه الإصلاحيون، الذين يؤكدون أن هذه النسب سببها "تعب" الايرانيين، من الحكم القائم حاليا، معتبرين أن المعارضين للنظام الإيراني أرادوا هذه المرة إيصال صوتهم بعدم التصويت، على أمل أن يوصلوه بالمستقبل عبر التصويت لتغيير الواقع الحالي.
تُسجّل إيران أعلى نسبة وفيّات بفايروس "كورونا" بعد الصين، كما تشهد ارتفاعا بأعداد المصابين، رغم كل الإجراءات التي تحاول القيام بها وآخرها تدخين النرجيلة داخل المقاهي والمطاعم، وكما تدخّل الفايروس بصحة الإيرانيين، تدخّل بسياستهم، وأثّر عليها، داخليا وخارجيا.