تتوالى المعلومات حول دور مرتقب لنجل الشهيد رفيق الحريري الأكبر بهاء، في لعب دور سياسي متقدّم على حساب شقيقه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. لم يعد التحشيد الجماهيري خافياً على أحد، بدليل الخطاب الإعلامي الذي تقدّمه شخصيات سياسية تسويقاً لدور "الشيخ بهاء". لن يستطيع "الشيخ سعد" شن دفاع مسبق ضد شقيقه، ولا قدرة له على إجهاض مشروع منافسه الشقيق الذي يجهّز لتولي زعامة الحريرية السياسية. لكن ما هي عدّة القادم إلى لبنان بعد غياب؟.
يُحكى أنه يعتمد بشكل اساسي على وزراء ونواب مستقبليين سابقين، يسوّقون في مجالسهم "أن الشيخ سعد أخذ فرصته، ولن يقدر على إستعادة زخم الحريرية، ولا بدّ من إعطاء فرصة للشيخ بهاء". ولذلك يجري التحضير لتظاهرة شعبية في طرابلس ترفع صور بهاء الحريري، وتتدرّج إلى المطالبة بأن يتسلّم الزعامة المستقبلية في لبنان. لكن تقف في وجه الفكرة مطبّات جوهرية، أولها أنّ جزءاً ممن يعتمد عليهم بهاء الحريري هم "مفلسون" سياسياً وشعبياً، كما يصفهم مراقبون سياسيون، رغم أن وزيرا طرابلسياً سابقاً ينسج علاقات مع "ثوريين" في الحراك الشعبي، وهو سيطلب منهم دعم خطته في خدمة المشروع السياسي الجديد.
ثانياً، ماذا عن مواقف الحلفاء التقليديين لتيار "المستقبل"، في الداخل والخارج؟ هل سيتجاوبون مع دخول "الشيخ بهاء" إلى النادي السياسي من باب المنافسة على الزعامة الحريرية؟ بالطبع يُتوقع أن تتفرّج القوى الداخلية، لأسباب لها علاقة بأن رئاسة "المستقبل" الشرعية يتولاها سعد الحريري صاحب الوزن النيابي والتجربة الصعبة التي فرضته زعيماً سياسياً. لكن رئيس الحكومة السابق لم يعد يملك قدرات ماليّة، بينما تتوافر عند شقيقه، وهي عامل أساسي في الموازين الزرق، في فترة مالية وإقتصادية صعبة. ويعمل المخطّطون لتسويق بهاء الحريري على توظيف نقمة المصروفين من مؤسّسات "المستقبل" الذين صاروا عاطلين عن العمل، إضافة إلى إستغلال الوضع الصعب، لتقديم "الشيخ بهاء" زعيماً إنقاذياً للمرحلة المقبلة.
لن يكون تسويق الخطة سهلاً، لأن الذين يعتمد عليهم الآتي من عالم الأعمال إلى عالم السياسة قد جُرّبوا وفشل معظمهم، أو هم يستغلّونه مادياً ومعنوياً لتعويض إفلاسهم الداخلي والخارجي. كما ان دخول "الشيخ بهاء" يأتي في زمن لبناني مفصلي: ما هو موقفه من الدولة المدنية المطلوبة؟ هل يراعي المجموعات الإسلامية الأصولية والمعتدلة في خطابه السياسي المرتقب؟ كيف سيتعاطى مع القوى الفاعلة الذي يحالفها او يخاصمها شقيقه سعد؟ ما هو موقفه من العلاقة مع سوريا؟ كلها أسئلة تنتظر "الموعود بالزعامة" في بلد يئنّ ويستغيث. ولا بدّ من أن أيَّ سيناريو يتبنّاه "بهاء" سيحدّد مسار خطواته. علماً أن الحراك الشعبي يوحي بأنه لن يقبل ببديل وريث لخط سياسي آت من النهج المالي ذاته، الذي يحمّله الحراك مسؤولية "إفلاس البلد".
الأهم، ماذا عن رأي المملكة العربية السعودية؟ هل تقبل بالشيخ بهاء بديلاً من شقيقه؟ حتى الآن لا يبدو انها تتدخّل علنا، بعد أن إنفتحت على زعماء سياسيين سنّة. فهي لم تستطع أن تُقفل الطريق مثلاً أمام رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي الذي يشكّل حيثية سنّية واضحة، بوجود نواب سنّة آخرين ايضاً خارج الحريرية السياسية فرضوا أنفسهم في بيروت وصيدا والبقاع والضنيّة.
وكانت المعلومات ذكرت سابقاً أن الرياض إستوعبت مجدداً "الشيخ سعد"، ودعته للتفرّج وعدم التدخل إلى حين إتخاذ المملكة قرار مساعدة لبنان مالياً في الوقت المناسب. يدلّ على تلك الخطوة السعودية الإستيعابية زيارات سفير المملكة في لبنان وليد البخاري إلى بيت الوسط عشية ذكرى 14 شباط، والطلب من الحريري دوزنة الخطاب تجاه رئيس حزب "القوّات" سمير جعجع. علماً أن المعلومات نفسها افادت ان "الشيخ سعد" بدأ خطة تبديل مساعديه ومستشاريه بآخرين تثق بهم السعودية.
إذا صحّ قرار "الشيخ بهاء" في دخول الملعب السياسي اللبناني من باب إستعادة زخم "الحريرية السياسية" على حساب شقيقه "الشيخ سعد"، فهذا يعني ان الخريطة السياسية مقبلة على تبدّلات جوهرية ترافق حجم المتغيرات التي تسبق موعد الإنتخابات النيابية.