بعد الإنجازات الميدانية الأخيرة اللافتة، التي حققها الجيش السوري في محافظتي حلب وإدلب، خصوصاً إعادة فتح طريق حماه – حلب الدولي، وتأمينه، ثم تقدم وحدات الجيش في إتجاه طريق اللاذقية – حلب، وضرب عمق معاقل جبهة النصرة في تنظيم القاعدة الإرهابي في ريفي إدلب الجنوبي، واللاذقية الشمالي الشرقي، والإقتراب من تأمين الطريق الأخيرة، وإعادته الى الخدمة. فكاد أن يؤدي ذلك الى انهيار ما تبقى من معاقل التنظيمات الإرهابية المدعومة من أنقرة، والمتشرة في الشمال السوري في المناطق المحاذية لتركية، بحسب تأكيد مصادر ميدانية. بالتالي فإن هذا التقدم، وهذه الإنجازات، وضعا الدور التركي في سورية برمته على المحك، الى حد ضمور هذا الدور في شكلٍ نهائيٍ في الجارة الأقرب.
وأمام هذا المتغير الميداني، الذي فرضته القوات السورية، دفع الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان بجنوده الى التدخل مباشرةً في القتال الى جانب المجموعات الإرهابية المسلحة، لمنع إنهيارها، فحاول هؤلاء الجنود تعزيز تواجدهم في الشمال السوري، من خلال إقامة مراكز دعمٍ لوجستيٍ للإرهابيين، خارج نقاط المراقبة المتفق عليها ضمن إتفاق سوتشي، فنقل الأتراك الى هذه المراكز، الأسلحة الثقيلة والذخيرة، في محاولة لشد أزر المجموعات التكفيرية المسلحة. أضف الى ذلك، إنغماس الجنود الأتراك في القتال في صفوف "النصرة" وملحقاتها. عندها قام الطيران الحربي للتحالف السوري- الروسي باستهداف الجنود المذكورين أخيراً، والمراكز التركية اللوجستية، فكبدهم عشرات الخسائر في الأرواح، وعدد كبير من المعدات. وفي الوقت عينه، تابعت وحدات الجيش السوري تقدمها في أرياف حماه، حلب، واللاذقية. كذلك طوقت العديد من نقاط المراقبة التركية، للجم دورها التخريبي في سورية، على حد تعبير المصادر الميدانية. أثر ذلك، ووفقاً للمثل الشعبي "ما فيك على الجمل، ديرها على الجمّال"، إتهم النظام التركي القوات السورية، باستهداف جنوده، في محاولة منه، الهروب من المواجهة المباشرة مع روسيا، كدولةٍ عظمى. لان التركي يدرك تماماً، عواقب أي مواجهةٍ مباشرةٍ مع موسكو.
وكعادته أطلق أردوغان سيلاً من التهديد والوعيد لدمشق، لحفظ ماء وجهه في الداخل التركي، بحسب رأي مصادر سياسية سورية. وتجزم بدورها أن ليس أمام الرئيس الأتراك، إلا التفاهم مع الروس، عبر تفعيل إتفاق سوتشي، ولكن بعد تعديله، بسبب المتغيّر الميداني، الذي فرضه الجيش السوري في شمال البلاد وسواها، بعدما أصبح على تماس مباشر مع الجنود الأتراك. وتتوقع المصادر أن يتم التفاهم على إنهاء الإرهاب نهائياً على امتداد الأراضي السورية، خصوصاً أن هناك تصميماً وأصراراً سورياً – روسياً – صينياً على ذلك، وليس أمام أردوغان أي فرصة أخرى، على حد قول المصادر الأخيرة. وترجح أن يلحظ "تعديل سوتشي" المفترض والمرتجى، تنظيم الحدود بين سورية وتركيا، خصوصاً التفاهم على الوضع الأمني والتواجد العسكري في المناطق الحدودية بين البلدين.
وفي السياق عينه، توافق مصادر في المعارضة السورية بدورها، على ما ورد آنفاً، في شأن حتمية التفاهم الروسي – التركي في الجارة الأقرب، مؤكدة أن أنقرة تدرك تماماً، أن هناك تسليم غربي لدور روسيا في سورية، وقد يضع الغرب لمساته الأخيرة على أي تسوية لإنهاء الصراع فيها، ولن تأخذ حيز التنفيذ، من دون موافقة دول الغرب، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، ولكن على ما يبدو فإن إدارة الملف السوري خارجياً، تحديداً في أي تسوية مرتقبة مع الغرب، منوط بموسكو، بالتالي لا مفر من تفعيل إتفاق سوتشي، تختم المصادر المعارضة.