على وقع الازمات اللبنانية المتلاحقة بدءا من استفحال الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة مع دخول الحراك الاحتجاجي يومه الثامن والثلاثين بعد المئة، وصولا الى الهلع من تفشي فيروس "كورونا" في لبنان والذي فرض نمطا جديدا في اسلوب الحياة، تقدم الى الهم الفلسطيني المخاوف من تعليق وكالة الاونروا لخدماتها الحيوية بغزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، اعتباراً من أواخر نيسان المقبل، وربما امتدادا الى لبنان في وقت لاحق، ما سيؤدي إلى تداعيات إنسانية خطيرة" وذلك بسبب العجز المالي المتراكم منذ سنوات فيما المطلوب لعام 2020 نحو مليار و400 مليون دولار اميركي.
وأكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان هذه المخاوف باتت جدية بعدما اعلن المنسق الأممي الخاص لعملية السلام بالشرق الأوسط، نيكولاي ميلادينوف، ان التحديات المالية كبرى أمام وكالة "الأونروا"، وربما هو التصريح الأخطر في سنة 2020 حول الأزمة المالية للوكالة وتداعياتها، بينما في وقت سابق ارسلت الوكالة اشارات واضحة بان مسألة الاقتطاع اصبحت اليوم امرا "واقعا" بعد ان ابلغت بها الاقاليم بشكل رسمي، ووردت على لسان المفوض العام بالانابة كريستيان ساوندرز خلال لقائه بوفد الفصائل الفلسطينية في لبنان في 17 شباط الماضي، وعلى لسان مدير عمليات "الأونروا" في غزة ماتياس شمالي الذي ابلغ اتحاد الموظفين بالأونروا بالامر، كما تحدث عنها مدير الدائرة المالية في الوكالة في لقاء الكتروني مع الموظفين. وجميع هؤلاء أقرّوا ان الوكالة لن تكون قادرة خلال الاشهر القادمة على الاستمرار في تقديم خدماتها المعتادة، وقد تلجأ الى تعليق بعض الخدمات الحيوية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، الا اذا التزمت الدول المانحة، التقليدية والمستجدة، بتقديم مساهماتها في الوقت المحدد ودون تأخير.
ويعتبر الفلسطينيون في لبنان، ان هذه المعلومات كمؤشر خطير على اتجاه الامور سلبا نحو مصير الوكالة، التي يتمسكون بها كشاهد حي على حقهم في العودة الى فلسطين وفق القرار الدول 194، وبدلا من دعمها يتمّ توقيف تمويلها وكأن ما يجري يتماهى مع "صفقة القرن" التي أعلن عنها الرئيس الاميركي دونالد ترامب في 28 كانون الثاني الماضي، بهدف تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة من خلال انهاء عمل "الاونروا"، وتحميل الدول المضيفة ومنها لبنان مسؤولية رعايتهم، وصولا الى التوطين طوعا مقابل مساعدات ماليّة زهيدة او قسرا من خلال فرضه كأمر واقع.
والاخطر انها تأتي في وقت قاتل" في ظل الازمة الاقتصادية والمعيشية اللبنانية والتي انعكست سلبيا على حياة اللاجئين في المخيمات، في وقت تساءل فيه الكاتب علي هويدي عبر "النشرة" ماذا يعني أن تصوت 167 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح تمديد تفويض عمل "الأونروا" لثلاث سنوات جديدة (حتى حزيران 2023) في دعم ساحق سياسي ومعنوي للوكالة دون الدعم المالي؟! ماذا يعني أن يدعم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وكالة "الأونروا" ويثني على جهودها، وتتخلى الامم المتّحدة نفسها عن المؤسسة التي أنشأتها بعدم تغطية العجز المالي؟! حجة البعض من الدول بأنه قد اختلفت الأولويّات وبأن هناك ملايين اللاجئين غير الفلسطينيين، يحتاجون أيضا للمساعدة والدعم، ولكن ماذا عن المليارات من الدولارات التي تنفق على الحروب في العالم، ومِن هذه الدول أعضاء بارزين في اللجنة الإستشارية للأونروا؟! علما أنه حتى الآن وعود بمبلغ 299 مليون دولار وصل منها فقط 125 مليون، هذا يعني بأن العجز المالي لسنة 2020 قد وصل حتى الآن إلى 1.275 مليار دولار، بالتأكيد في هذه الحالة ستؤثر على برامج سواء بالتراجع أو "التعليق" وإذا نُفذ فسيمهد للإنهاء.
في المقابل تؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أنّ القوى الفلسطينيّة في لبنان أبقت على جهوزيتها وإستنفارها لمواجهة تداعيات هذا التحدّي الجديد الذي يلامس جوهر القضية الفلسطينية–حق العودة، وبتشعّباتها الداخليّة في فلسطين من جهة، والخارجيّة في أماكن الشتات من جهة أخرى، ووضعت ثلاثة اولويّات، أوّلاً مواجهة "صفقة القرن" الاميركية وتمرير العام الحالي بانتظار نتائج الانتخابات الاميركية لقراءة المشهد والمتغيرات مجددا، ثانيا، الحفاظ على عمل وبقاء وكالة "الاونروا" وفق الولاية الممنوحة لها وتقديم خدماتها الصحية والتربوية والاجتماعية، في ظلّ استمرار الحصار الدولي عليها ووقوعها تحت العجز المتراكم، وثالثا، التحدي الاقتصادي والمعيشي لجهة تطويق ذيول الازمة اللبنانية الخانقة وتخفيف وطأتها عن كاهل أبناء المخيمات، غير انّ مؤشّراتها حتى اليوم سلبيّة وتسير نحو الاسوأ، اذ فشل المدير العام لوكالة "الاونروا" كلاوديو كوردوني، من الحصول على أيّ دعم مالي اضافي لـ"خطة الطوارىء" التي أعلنها، مبررا ذلك "أن الازمة الاقتصادية المستجدة لا تخص اللاجئين الفلسطينيين بشكل مباشر أو وحده، وانما الشعب اللبناني، وبالتالي تقدم الشعور بأن ثمة اصرارا على تشديد الحصار المالي على لبنان والذي يدفع ثمنه ايضا الشعب الفلسطيني، الذي ما زال في الوقت نفسه محروما.