لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطها، هذه المعادلة ينبغي التسليم بها محلياً قبل البحث في أي أمر آخر، لا سيما مع دخول البلاد اسبوع الحسم في العديد من الملفّات، أبرزها كيفيّة التعامل مع إستحقاق سندات اليوروبوند في التاسع من آذار الجاري، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة بغض النظر عن الخيار الذي ستذهب إليه حكومة حسان دياب، سواء بالنسبة إلى الدفع أو عدم الدفع، رغم أن معظم الترجيحات بات تميل إلى الخيار الأول على نحو حاسم.
ضمن هذا السياق اللبناني، يأتي السؤال عن الخطة المواكبة لهذا الخيار الذي ستذهب إليها الحكومة، حيث أن الموضوع يتخطى قرار الدفع من عدمه ليصل إلى ما ستضعه أمام حاملي تلك السندات على طاولة المفاوضات، في حين يبرز التوجه لدى أفرقاء أساسيين، خصوصاً "حزب الله"، برفض الذهاب إلى صندوق النقد الدولي، بالرغم من طلب المشورة التقنية منه.
على هذا الصعيد، لدى بعض الأوساط السياسية اللبنانية قناعة لا جدال فيها بأن لبنان لا يملك مقومات الخيارات المستقلة، حيث بحاجة إلى الحصول على دعم الجهات المانحة من أجل تخطي المرحلة الصعبة التي يمر بها، والتي تتوقع أن تستمر إلى حين موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ننظراً إلى أن كافة الملفات الإقليميّة الساخنة مؤجّلة إلى ما بعد هذا الإستحقاق، لمعرفة ما إذا كان سينجح الرئيس الحالي دونالد ترامب بالفوز في ولاية رئاسيّة جديدة، وبالتالي عندها يُبنى على الشيء مقتضاه.
من وجهة نظر هذه الأوساط، حتى الساعة ليس هناك من مؤشرات إيجابيّة كبيرة يمكن البناء عليها، باستثناء الترويج لمعلومات مفادها بأن بعض الجهات الأوروبيّة، فرنسا وألمانيا، والعربية، قطر والكويت وسلطنة عمان، مستعدة لتقديم الدعم إلى لبنان، تقابلها أخرى تؤكد بأن تلك الجهات لا يمكن أن تقدم على أي خطوة في حال لم تحصل على الضوء الأخضر الأميركي، غير المتوفر حتى الساعة حيث تبدو واشنطن مستمرة في النهج التصعيدي على مستوى المنطقة، خصوصاً في الملفات التي هي على تماس مباشر مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
بناء على ما تقدم، ترى الأوساط نفسها أن المعلومات التي تتحدث ان البلاد ذاهبة، في الفترة المقبلة، إلى موجة جديدة من التصعيد في الشارع، إنطلاقاً من مجموعات الحراك الشعبي، تبدو هي الأقرب إلى الواقع، لا سيما أن بعض الجهات السياسية تبدو في طور العودة إلى الإستثمار فيهالتحقيق أهداف معينة، وهي ستكون مدعومة بمجموعة واسعة من الظروف المساعدة، لا تنحصر فقط بالإقتصادية والمالية والإجتماعية.
في الإطار نفسه، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن قوى الأكثرية النيابية تأخذ هذه الأمور في عين الإعتبار، لا سيما أنها منذ البداية كانت تدرك بأن المهمة الملقاة على عاتق حكومة دياب لن تكون سهلة على الإطلاق، وبالتالي من المفترض أن تكون جاهزة للتعامل مع هذه التحديات بكل واقعية، بعيداً عن تعليق الآمال التي قد تكون بعيدة عن الواقع، خصوصاً مع بروز مؤشرات إقليميّة سلبيّة لن تصبّ في صالح التهدئة على الساحة المحلية.
وتلفت هذه المصادر إلى معطيين أساسيين على هذا الصعيد، برزا في نهاية الاسبوع المنصرم، الأول يتمثل بإعتذار محمد علاوي عن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، في حين كان البعض يشبه ظروف تكليفه بتلك التي رافقت تكليف دياب، بالتزامن مع الحديث عن الترابط بين الساحتين، أما الثاني فيتمثل بالمواجهة العسكرية المفتوحة، ذات البعدين الإقليمي والدولي، على الساحة السورية، إنطلاقاً من المواجهات بين الجيشين التركي والسوري.
في المحصّلة، لدى المصادر نفسها قناعة بأنّ الظروف المحيطة لن تكون مساعدة لحكومة دياب في تنفيذ المهام الملقاة على عاتقها، لكنها لا تستبعد حصول تطورات غير متوقعة في ظل التشابك في المصالح على الساحة الإقليميّة، لا سيّما إذا ما ذهبت بعض الدول العربيّة المعادية لتوجهات تركيا إلى خيار الإنفتاح على دمشق، وهو ما برز من خلال ذهاب الحكومة الليبيّة، المدعومة من الرياض وأبو ظبي والقاهرة، إلى توقيع إتفاق مع الحكومة السوريّة، ينص على افتتاح مقرّات دبلوماسيّة وتنسيق مواقف خاصة تجاه التدخل التركي في البلدين.