تشكل استعادة الجيش السوري لمدينة سراقب مؤشراً قوياً على فشل الرئيس التركي رجب أردوغان في قلب المعادلة في الميدان وإخفاقه في تمكين جماعاته الإرهابية من استعادة المناطق التي فقدت السيطرة عليها في محافظة إدلب وغرب حلب.. واستطراداً توجه ضربة موجعة للرئيس التركي أردوغان، الذي هدّد ووعد بدفع القوات السورية وحلفائها إلى ما بعد منطقة خفض التصعيد التي حدّدت باتفاق سوتشي لتكون منطقة منزوعة من الإرهابيين وسلاحهم، وهو الاتفاق الذي أخلّ أردوغان في تنفيذه.. لكن ما حصل كان العكس تماماً، فالجيش السوري لم يستعد فقط مدينة سراقب، بل وتمكن أيضاً من تحرير العديد من البلدات والقرى على أوتوستراد حلب اللاذقية، بل وبات قريباً من مدينتي أريحا وجسر الشغور اللتين يشكل تحريرهما أولوية لإنجاز فتح الأوتوستراد الدولي.. وبالتالي تحقيق هدف العملية العسكرية الأساسي وهو تحرير منطقة خفض التصعيد من الإرهابيين حسب ما نص اتفاق سوتشي…
على انّ هذا الإنجاز الميداني أدّى عملياً إلى تأكيد وتحقيق النتائج التالية…
النتيجة الأولى، سقوط الوهم الذي جرى نسجه حول قوة الجيش التركي باعتباره ثاني أقوى جيش في حلف الناتو، وتصويره بأنه يملك قدرات لا يستطيع الجيش العربي السوري الصمود في مواجهته… وذلك في سياق عملية تهويل وإرهاب لمحاولة بث الرعب والهلع في صفوف الضباط والجنود السوريين، بحيث تنهار معنوياتهم قبل بدء هجوم الجيش التركي الذي أعلن عنه أردوغان.. لقد تبيّن انّ العكس هو الصحيح، فالجنود الأتراك ومعهم الإرهابيون هم الذين انهارت معنوياتهم ولم يتمكّنوا من الصمود أمام هجوم القوات السورية.. التي أثبتت تفوّقها في ميدان القتال.. وهذا كان منتظراً منها لأنها تقاتل دفاعاً عن أرضها ضدّ محتلّ غازٍ إرهابيّ لا يملك قضية ولا يستند الى الحق كي يصمد في الميدان.. حتى وانْ امتلك السلاح الحديث في البر والجو..
النتيجة الثانية، تأكيد بأنّ هزيمة الإرهابيين، ومعهم جيش أردوغان في سورية، إنما هي النتيجة المحتومة وباتت مسألة وقت ليس إلا.. وليس هناك من خيارات أمام الإرهابيين سوى.. إما مواجهة الموت، أو الهروب إلى تركيا بانتظار توظيفهم من قبل أردوغان في دعم جماعته الإخوانية في ليبيا، أو مسارعة العناصر السورية إلى الاستفادة من المصالحة التي تعرضها عليهم الدولة الوطنية السورية باعتبارها الفرصة الأخيرة لهم…
النتيجة الثالثة، فشل أردوغان في سعيه إلى تعزيز موقفه التفاوضي عشية لقائه المنتظر في خمسة آذار الحالي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. لقد أدّى الهجوم السريع والمباغت للجيش السوري إلى دحر الإرهابيين عن سراقب كشف عجز جيش أردوغان في تحقيق ايّ إنجاز في مواجهة الجيش السوري.. الأمر الذي سيجعله في قمة الضعف، لا سيما أنّ الهزيمة في سراقب تأتي مترافقة مع إخفاق الرئيس التركي في الحصول على دعم حلف الناتو والرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي وجد الفرصة لابتزاز أردوغان، بربط تقديم الدعم له بقطع علاقاته مع روسيا، ايّ كمن يعرض عليه شراء السمك في البحر.. هذا الوضع جعل أردوغان في موقف لا يحسد عليه، ناتج عن افتقاره إلى الحدّ الأدنى من قراءة الوقائع وموازين القوى والمعادلات الإقليمية والدولية الجديدة.. كلّ ذلك سيجعل أردوغان، اذا قرأ الدرس جيداً وأخذ العبر، ينصت إلى ما سيعرضه عليه بوتين من مخارج، من ورطته ومأزقه، تقوم على تنفيذ اتفاقات أستانة وسوتشي، التي تنص على احترام السيادة السورية.. والقضاء على الإرهابيين..
لقد لقن الجيش السوري الإرهابيين ومعهم الجيش التركي، درساً مؤلماً وقاسياً، عسى أن يتعظ منه أردوغان ويتوقف عن الاستمرار في سياساته الاستعمارية الاستعلائية، ويعود إلى انتهاج سياسات واقعية يتخلى فيها عن أحلامه العثمانية البائدة التي ليس لها قابلية التحقق، في ظلّ قيادة عربية سورية صلبة في مقاومة الغزاة وإرهابهم.. وجيش سوري أثبت أنه عصيّ على الهزيمة والانكسار، وقادر على صنع الانتصار تلو الانتصار، ويستند إلى دعم كبير من أطراف محور المقاومة، وروسيا، الذين أثبتوا أنهم أوفياء لحلفهم الاستراتيجي مع سورية، ولا يبخلون في تقديم التضحيات دفاعاً عن السيادة السورية، لأنهم على قناعة وإيمان بأنّ إتمام انتصار سورية، في حربها الوطنية ضدّ قوى الإرهاب، والدول الداعمة لها، إنما هو انتصار لهم أيضاً…