يعقد اليوم في موسكو اللقاء المنتظر بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، بعد موجة من التصعيد على خلفية النزاع الملتهب في إدلب، والعملية العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري هناك، والتي رسمت إلى حد بعيد معالم الإتفاق الذي قد يحصل بين الرئيسين في العاصمة الروسية، نظراً إلى أن مجرد الإنعقاد يعني أن إحتمالات التوافق أكبر من إحتمالات الفشل، لا سيما أن الكثير من المصالح الإقتصادية والسياسية تربط بين الجانبين.
في خلفيّة هذا اللقاء مجموعة من النقاط التي ينبغي التركيز عليها، نظراً إلى أنها أساسية لفهم المسار الذي من الممكن أن تسلكه الأمور، خصوصاً على مستوى توازن القوة، حيث أن أي مفاوضات سياسية ينبغي أن تنطلق من المعطيات الميدانية والأوراق التي يملكها كل فريق.
في هذا السياق، يمكن تسجيل فشل الرئيس التركي في جرّ الرئيس الروسي إلى إجتماع يعقد في تركيا، تم الحديث في وقت سابق عن إحتمال عقد قمّة 4 رباعية، تجمع بالإضافة إلى بوتين وأردوغان كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث أن القمّة بين الجانبين ستعقد في موسكو من دون مشاركة أي فريق ثالث أو رابع.
بالتزامن، سعى أردوغان، قبل الإتفاق على الموعد، إلى تحسين المعادلة الميدانية على أرض الواقع، عبر العملية العسكريّة التي شنتها قواته، في الأيّام الماضية، على خلفيّة التقدّم الّذي كان الجيش السوري قد حقّقه مع حلفائه، إلا أنه فشل في الوصول إلى ذلك، بعد نجاح دمشق في إستعادة السيطرة على مدينة سراقب الإستراتيجية، كما أنه فشل في الحصول على دعم حلفائه بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، لا سيما بعد أن عمد إلى إستخدام ورقة اللاجئين بهدف إبتزازهم.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن الرئيس التركي يحضر إلى موسكو بوضع أضعف من السابق، لكن في المقابل لا يمكن الحديث عن أنه فقد كل أوراق قوته، نظراً إلى أنه يدرك الحاجة الروسية إليه في ظل مشروع بوتين على مستوى المنطقة والعالم، وهو الذي ترجم في السعي لعدم الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر بين البلدين، من دون تجاهل الموقف الإيراني، الذي يقترب من الموقف الروسي بعض الشيء، لكن مع تململ من تغييب طهران عن القمة الثنائيّة، حيث كانت إيران تطمح إلى عقد قمة ثلاثيّة على أراضيها، وبالتالي لعب الدور المحوري في إعادة إحياء مسار آستانة.
بناء على ما تقدم، لا يمكن الرهان على أن الرئيس الروسي سيسعى إلى القضاء على طموح ضيفه في الأزمة السورية، إلا أن ذلك لا يلغي السعي إلى إضعافه إنطلاقاً من المعادلة الميدانية والواقع الإقليمي والدولي، وبالتالي السعي إلى كسب المزيد من أوراق القوة التي تعزز نفوذ موسكو ودمشق معاً، نظراً إلى أن الأولى بحاجة إلى أنقرة في العديد من الملفات الأخرى، خصوصاً تلك الإقتصادية التي تشغل بال بوتين، لا سيما أن تركيا تحولت إلى المعبر الأساسي لتصدير الغاز الروسي نحو بلدان الإتحاد الأوروبي، مع العلم أنّ الولايات المتحدة، في المقابل، تسعى إلى تكريس التباعد بين موسكو وأنقرة للإستفادة من هذا الواقع الجديد.
في المحصّلة، تبدو فرص التوافق بين بوتين وأردوغان أكبر من فرص الإختلاف في اللقاء المرتقب بينهما، الأمر الذي سيكون له تداعيات على مصير المعركة العسكريّة القائمة في ادلب السوريّة، لتظهر بعد ذلك معالم التوازن الجديد الذي فرضته التطورات الأخيرة.