صار فيروس كورونا هاجسًا إضافيًا يُلاحق اللبنانيّين الغارقين بمشاكلهم الكثيرة، علمًا أنّ عدد المُصابين بهذا الفيروس يتصاعد يوميًا، حيث أنّه سيُلامس عتبة المئة ألف مُصاب عالميًّا في الساعات القليلة المُقبلة. فما هي الأماكن التي إنتشرت فيها الإصابات بكورونا، ولماذا بعض الدُول تأثّرت به أكثر من سواها، وما هي التوقّعات بالنسبة إلى لبنان، ولا سيّما في ما خصّ العام الدراسي؟.
بداية، لا بُد من التذكير أنّكل التحليلات تؤكّد أنّ فيروس كورونا إنطلق من ولاية هوبي الصينيّة، وتحديدًا من عاصمتها مدينة ووهان، مع شكّ كبيربأنّ أصل الفيروس هو سوق بيع الحيوانات (منها الكلاب والخفافيش والأفاعي، إلخ.) في ووهان، علمًا أنّه تُوجد نظريّات أخرى كثيرة، منها تتحدّث عن مؤامرات خلف إنتشار هذا الفيروس، ومنها تتحدّث عن تسرّب كورونا من مُختبر علمي لمُكافحة الأمراض في ووهان، عن طريق الخطأ، عندما هاجمت مجموعة من الخفافيش عددًا من الباحثين في المُختبر. وبغضّ النظر عن الأسباب الحقيقيّة، الأكيد أنّ الصين تدفع اليوم الثمن الأكبر على مُستوى أضرار كورونا، حيث تجاوز عدد المُصابين فيها منذ تشخيص أوّل حالة لديها في 30 كانون الأوّل 2019(1)، ما مجموعه 80,000 مُصاب، وعدد الضحايا ما مجموعه 3,000، علمًا أنّ إجمالي عدد الضحايا في كل باقي أنحاء العالم يبلغ نحو 300 فقط. وبسبب تزامن بداية إنتشار كورونا، مع عطلة السنة القمريّة الصينيّة الجديدة، وتوجّه الناس في عطلات بعيدة داخل الصين وخارجها، إنتشر الفيروس في مُختلف الدول الآسيويّة، وُصولاً إلى الكثير من دول العالم البعيدة.
بالنسبة إلى كوريا الجنوبيّة التي تُعتبر ثاني دولة في العالم مُتأثّرة بفيروس كورونا، مع إصابات بلغت نحو 6000، فإنّ سبب إنتشار العدوى بقُوّة فيها، يعود إلى إلتقاط إمرأة تبلغ 61 عامًا من العُمر،العدوى في الصين، قبل عودتها إلى بلادها، حيث تفشّى المرض أوّلاً ضُمن أفراد طائفة دينيّة تنتمي إليها(2)، وذلك خلال مُمارسة الشعائر الدينيّة والصلوات الجماعيّة التي تستوجب تشابك الأيدي في بعض الحالات. وبعد ذلك، نقل أعضاء هذه الطائفة كورونا إلى الكثير من المُحيطين بهم، لينتشر الفيروس في مُختلف أنحاء كوريا الجنوبيّة.
بالإنتقال إلى إيطاليا التي تتبادل مع إيران المركز الثالث عالميًا في عدد الإصابات التي تجاوز مجموعها 3000، وعدد الوفيّات الذي تجاوز المئة ضحيّة، فإنّ سبب إرتفاع أعداد المُصابين فيها يعود إلى إنتشار الفيروس في شمال إيطاليا لأسابيع عدّة قبل إكتشاف أولى الحالات، والبدء بإجراءات المُكافحة التي جاءت متأخّرة جدًا. وبحسب أطباء وعلماء يتمتّعون بخبرة عالية بعالم الفيروسات، إنّ تحديد المريض الأوّل في أي بلد، يُساهم كثيرًا في الحد من إنتشار الفيروس، بسبب إجراءات عزل المحيطين به، كما حصل في العديد من الدول الأوروبية التي تعتمد حاليًا على دراسات مُتخصّصة في عالم الأوبئة، لتحديد التسلسل الجيني للفيروس لدى المُصابين، بغية تقدير عدد الحالات الجديدة. أمّا في إيطاليا، فقد عجزت السُلطات حتى تاريخه، عن تحديد المريض الأوّل، علمًا أنّ من بين الأخطاء التي إرتكبت أيضًا، عدم خبرة طاقم عمل إحدى المُستشفيات في منطقة "كودوغنو" في التعامل مع الفيروس، الأمر الذي تسبب بإنتشاره بين العديد من العاملين في المُستشفى ومن المرضى فيه أيضًا!وعلى الرغم من قيام السُلطات الإيطالية بعزل الكثير من المُدن والمناطق، وُصولاً إلى إغلاق المدارس في البلاد، فإنّ هذه الإجراءاتجاءت متأخّرة، وبعد إنتشار المرض في مُختلف القارة الأوروبية، بسبب المُسافرين القادمين من إيطاليا، قبل إتخاذ إجراءات الوقاية.
وبالنسبة إلى إيران التي إنتقل إليها الوباء من الصين، فقد تسبّبت بدورها بنقل الفيروس إلى لبنان وإلى العديد من الدول العربيّة والخليجيّة، بفعل عودة الكثير من مواطني هذه الدول الحاملين للفيروس من دون ظهور عوارض واضحة عليهم، إن الذينكانوا في زيارات حجّ ديني في قمّ، أو في إقامات عمل ودراسة، إلخ. وتمثّل خطأ السُلطات الإيرانيّة الأبرز، بالتعامل بإستخفاف مع الفيروس في المرحلة الأولى، الأمر الذي أسفر عن إنتشاره في مُختلف المدن الإيرانيّة. وعندما بدأت إجراءات المُكافحة–بما توفّر من قُدرات، عبر عزل بعض المناطق وتعميم إرشادات التوعية وُصولاً إلى الإفراج مُوقّتًا عن عشرات آلاف السُجناء، كان الفيروس قد أصاب آلاف الإيرانيّين، وكبر سريعًا ككرة ثلج.
وفي لبنان، وعلى الرغم من أنّ عدد المُصابين لا يزال مَحدودًا نسبيًا، ويقتصر على قادمين من إيران وعلى قادم واحد من مصر، وعلى بعض أفراد عائلات هؤلاء، فإنّ الخشية كبيرة من أن يرتفع الرقم في الأيّام المُقبلة، لأنّ لبنان لم يُقفل حدوده مع أيّ من الدول الخارجيّة–كما فعلت الكثير من البلدان، علمًا أنّ الكثير من اللبنانيّين الذين أتوا على دفعات من مناطق مَوبُوءة، لم يتقيّدوا بإجراءات العزل الشخصي الإحترازي، ويكفي أن يكون عدد قليل منهم حاملاً للعوارض، ليرتفع إحتمال نقلهم العدوى لأشخاص إختلطوا بهم، مع تقدّم الأيّام. والمُشكلة أنّ مساحة لبنان الصغيرة لا تسمح بعزل أي منطقة، لمنع إنتشار الفيروس–كما فعلت بعض الدول، ما يعني أنّ مُختلف المناطق ستبقى مفتوحة على بعضها، وأنّ خطر إنتقال أيّ مُصاب من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، متاح بكل سُهولة.
وفي ما خصّ المدارس، فإنّ القرار سيصدر قبل الثلاثاء المُقبل، بتمديد فترة التعطيل أو بإعادة فتح الأبواب، مع ميل للخيار الأوّل حتى الساعة، علمًا أنّه في كل الأحوال، العام الدراسي الذي تأثّر بإحتجاجات الشارع ومن ثم بإجراءات الحماية من كورونا، سيكون على الأرجح عرضة للتمديد لفترة زمنيّة غير مَعروفة الطول خلال الصيف، تبعًا لحجم التعطيل المُرتقب، خاصة وأنّ الكثير من أولياء الطُلاب رفضوا دفع الأقساط المدرسيّة حتى تاريخه، بفعل تداعيات الأزمة الإقتصاديّة من جهة، وبسبب كثرة أيّام التعطيل هذا العام من جهة أخرى، ما يستوجب التعويض.