كانت الوقائع الميدانية في شمال سوريا توحي بأنّ الإقليم سيشتعل على وقع معارك إدلب. أراد الأتراك إجهاض التقدم العسكري السوري، تحت حجة أنه مخالفة للإتفاقيات السياسية التي جرت في سوتشي. تداخلت في الأيام الماضية المعارك، وبات المشهد ضبابياً: السوريون مع الإيرانيين والروس ضد تركيا. الروس مع الإيرانيين لا يريدون كسر تركيا. تركيا مع الإيرانيين والروس، لكن انقره تقاتل الجيش السوري على أرضه.
إستطاع الحلف السوري-الإيراني-الروسي أن يحمي تقدم الجيش السوري وحلفائه شمالاً، إلى درجة أن السوريين أعادوا السيطرة على مكتسبات إستراتيجية في الميدان: الجزء الأكبر من جبل الزاوية. مما يعني عسكرياً سيطرة سوريّة ناريّة على سهل الغاب وجسر الشغور والطريق من هناك نحو اللاذقيّة. تلك مساحات مهمّة جدّا في المنطق العسكري والسياسي السوري.
كادت الأمور تفلت بعد تصعيد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بسبب خسارته عملياً في تلك المساحات، وسقوط قتلى وجرحى في جيشه، الأمر الذي إستولد إرباكاً داخل تركيا، وبان في سجال النواب الأتراك إلى حد الكباش المُعلن.
لكن مؤشرات رُصدت في خفايا المعطيات الميدانية والسياسية والدبلوماسية: لم يستخدم لا الأتراك ولا السوريين ولا الروس طائرات حربيّة نوعية، بل إقتصرت حربهم على مواجهات بريّة وعبر مسيّرات، إشتدت احياناً وتراجعت احياناً اخرى. لم يسبق للجيش التركي أن خاض معارك عسكريّة بهذا الحجم منذ عقود طويلة، رغم حروبه ضد الكرد، فأوجعته مواجهات إدلب مع الجيش السوري الذي يخوض معمودية النار منذ تسع سنوات متتالية.
وحده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إستطاع ان يضبط إيقاع الشمال السوري، عبر دور موسكو الوسيط بين السوريين والأتراك. حصل الإجتماع القمة بين بوتين وأردوغان، ونتج عنه قرار وقف المواجهات في شمال سوريا.
كسبت سوريا جولة في الحرب من خلال وصولها الى نقاط جغرافية في إدلب، ستعمد الآن على تثبيت قواتها في مواقع إستراتيجية متقدمة. لن يتراجع الجيش السوري الى الخلف. مما يؤكد إنتصار السوريين، بينما لم يحصد الأتراك في معركتهم سوى صدى صوت أردوغان المرتفع في الإعلام. لكن اللافت في كلام الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلته مع قناة إعلامية روسية قوله: بعد إدلب يأتي دور شرق الفرات، وهي إشارة واضحة بأن دور الكرد آت في الحسابات العسكرية السورية، خصوصاً بعدما وصل الجيش السوري إلى جبل الشيخ عقيل. فهل هذا ما أكده بوتين لأردوغان في إجتماعهما المطوّل؟ جاء الإتفاق المشترك لتنفيذ ثلاث نقاط، مرتكزة على الإعتراف بسيادة سوريا، وعلى تنسيق يومي عبر الدوريات الأمنية.
يستطيع أن يثق أردوغان بحليفه الروسي الذي تربطه به علاقات إقتصادية وسياسية مميزة وإستراتيجية. كما يثق أردوغان بالجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة التي أوحت أنها لا تريد التخلي عن حلفها مع الأتراك، خصوصاً في ظل الحاجة المتبادلة بينهما لبعضهما البعض في إقليم مشتعل.
وعلى هذا الأساس، بات الحلف الروسي-الإيراني-التركي متماسكاً، بينما غيّبت الدول العربية أدوارها عن اللعبة الإقليمية، رغم أن الدور السوري كان يقتضي من الدول العربية أن تُقدم على خطوات الدعم لسوريا. لذا، يملأ الفراغ العربي قوى أخرى ومايسترو واحد إسمه: فلاديمير بوتين.