أشار مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه "لا بد من التأكيد على حقيقة أن اتفاق أستانا الخاص بمناطق خفض التصعيد الذي تم توقيعه بتاريخ 4 أيار 2107، كان وسيبقى مؤقتاً بطبيعته، والغاية الأساسية منه هي وضع حدٍ نهائي لأنشطة الجماعات المسلحة التي صنفها مجلس الأمن ككياناتٍ إرهابية، أي "داعش" و"القاعدة" و"هيئة تحرير الشام" و"جبهة النصرة" وكل المجموعات التي ترتبط بهذه التنظيمات الإرهابية وترفض فك أي ارتباط أو علاقة بها، ولا بد أن اشير أيضاً إلى أن رئيس النظام التركي توصل بتاريخ 18 أيلول 2018، إلى اتفاق في قمة سوتشي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل تنفيذ التعهدات والالتزامات الملقاة على الطرف التركي بموجب اتفاق أستانا، أي عزل الكيانات الإرهابية ووضع حد لنشاطاتها والفصل بينها وبين باقي المجموعات المسلحة الناشطة في إدلب ومحيطها. وقد أعادت الوثيقة التي صدرت بتاريخ 5 آذار الحالي، عن اجتماع الرئيس الروسي برئيس النظام التركي، التأكيد على أن أي وقف لإطلاق النار لا يشمل التنظيمات التي صنفها مجلس الأمن ككيانات إرهابية"، ساردا "أهم الخروقات التركية لمذكرة سوتشي وهي أولا: النظام التركي حول نقاط المراقبة التركية إلى ملاذ آمن ومنطلق لحماية المجموعات المسلحة المصنفة على انها كيانات إرهابية، كما لم يلتزم النظام التركي بسحب المجموعات الإرهابية المسلحة إلى مسافة عشرين كلم غربي طريق أبو الضهور بين حلب وإدلب، بل زاد عدد الإرهابيين وخاصة الأجانب منهم في إدلب، وبدلاً من أن يسحب النظام التركي جميع الدبابات ونظم قذف الصواريخ المتعددة ومدافع الهاون من المنطقة منزوعة السلاح بحلول 10 تشرين الأول 2018، نشر هذا النظام داخل الأراضي السورية آلاف الجنود وعتاداً حربياً ثقيلاً يضم آلاف القطع المدرعة، أما الخرق الرابع تمثل في عدم استئناف حركة المرور العابر على الطريق الدولي M4 (حلب- اللاذقية) والطريق الدولي M5 (حلب-حماة) بنهاية العام 2018"، معتبرا أن "تجربتنا مع النظام التركي تثبت دوماً أن تعهداتهم عصيةٌ على التنفيذ، ونحن لم نتوقع في يوم من الأيام أن ينفذ أردوغان هذه التعهدات، لأن ذلك يعني ببساطة نهاية مغامراته المتهورة في سورية، ووضع حد لتدخلاته السياسية والعسكرية في سوريا مع حكوماتٍ أخرى، وهي التدخلات التي قامت بالأساس على الاستثمار في المجموعات الإرهابية المسلحة وعلى فتح المعسكرات على أراضي تركيا لتدريب الإرهابيين والمقاتلين الإرهابيين الأجانب، ومن ثم فتح الحدود أمامهم إلى داخل الأراضي السورية لشن حرب إرهابية شاملة. وباختصار، أستطيع أن أؤكد بأن سوريا، قيادةً وشعباً وجيشاً، لن تسمح لأردوغان أو لغيره أن يكرر في إدلب ما حصل في لواء اسكندرون السليب".
وأشار الجعفري الى أن "الطرف الذي يخرق اتفاق أستانا منذ اللحظة الأولى وحتى اليوم هو النظام التركي، والذي يعتدي على السيادة السورية في شمال البلاد الشرقي والغربي هو النظام التركي، والذي يخرق ترتيبات اتفاق أضنة للعام 1998 هو النظام التركي. ويعلم الضامنانالروسي والإيراني، ذلك تمام العلم، وكانا يعولان على أن الانخراط مع أردوغان بصفته الضامن الثالث لاتفاق أستانا، قد يؤدي إلى إقناع هذه الشخص المهووس بالزعامة وباستعادة أمجاد عثمانية بائدة بدفعٍ من الغربيين وحلف الناتو، بأن يكف عن تدخلاته وأن يعود إلى رشده، ولكن من الواضح أن لا فائدة ترجى من العمل السياسي والدبلوماسي مع رئيس نظام يقود بلاده إلى الحرب والمواجهة في المنطقة ولا يحفظ أي احترامٍ لعلاقات حسن الجوار مع جيرانه، في إطار خطة واسعة لأسلمة الحكومات في الشرق الأوسط، وخلق دول دينية بشكل يتماهى مع أيديولوجية المتطرفين السياسيين الإسرائيليين الذين يسعون إلى تأسيس دولةٍ يهودية عنصرية، على غرار تنظيم "داعش" الإرهابي الذي يمثل التطرف الإسلاموي، وتنظيم الإنجيليين الجدد الذي يمثل التطرف المسيحياني، والصهيونية التي تمثل التطرف المتهود".
وراى انه "بالمحصلة، ومن الناحيتين السياسية والقانونية ما تفعله الحكومة السورية اليوم هو التطبيق الحرفي لمضامين اتفاق أستانا، أي القضاء على الكيانات الإرهابية المسلحة في كل مكانٍ في سورية، ووضع حدٍ لأي سلاحٍ غير شرعي، وامتحان صدقية كل من يدّعي أن الحل يجب أن يكون سياسياً. الأهم من كل ذلك، هو أن الدولة السورية تمارس سيادتها واستقلالها استناداً إلى الدستور في بسط سيطرتها على كامل التراب السوري، وإنهاء الإرهاب وأي تواجد مسلح غير شرعي، سواء كان ممثلاً بالجماعات الإرهابية المسلحة أو بأية قوات عسكرية خارجية تتواجد على الأرض السورية دون دعوة أو تنسيق مع الحكومة السورية، وذلك بما يتفق مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي".
وشدد الجعفري على أن "كل الاحتمالات مفتوحة وخاصة أننا نتعامل مع نظام معتدي لم يتورع منذ استلامه سدة الحكم في تركيا عن انتهاك كل المحرمات لخدمة مشروعه العدواني الأيديولوجي في الشرق الأوسط"، متسائلا :"ما هو الفرق اليوم بين أردوغان وبين بينيامين نتناياهو؟ لا شيء، كلاهما محتل ومعتدي، وكلاهما مهووس بأفكار دينية داعشية متطرفة ويسعى إلى توظيفها لخدمة مشروع توسعي بغطاء ديني كاذب"، مؤكدا أن "ما يعنينا في سوريا هو القضاء على الإرهاب واستعادة كامل السيطرة والسيادة على التراب السوري، ومعركتنا السياسية والعسكرية مع حلفائنالم تتوقف منذ اللحظة الأولى وحتى الآن. إذا أراد أردوغان أن ينصت لصوت العقل وأن يضع حداً لدعمه للإرهاب ويمتنع عن التدخل الهدام في سورية، وأن يتوقف عن هدر دماء عناصر جيشه المعتدي والمحتل، فذلك سيخدم السلام والاستقرار لجميع شعوب المنطقة بما في ذلك الشعب التركي الجار. أما إذا أصر على هذا النهج العدواني، فلا شيء سيمنعنا من الاستمرار في حربنا ضد الإرهاب وضد كل من يدعمه ويسلحه ويموله ويستخدمه لتحقيق مكاسب سياسية على حساب استقلالنا وسيادتنا ووحدة أراضينا، وحلفاؤنا يدركون ذلك تماماً، ونحن في ذلك منسجمون تماماً مع تفاهمات أستانا ومذكرة سوتشي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وبالوضع في سوريا".
ولفت الجعفري إلى أن "كل المعارك التي خاضها الجيش السوري وحلفاؤه كانت حاسمة وأساسية في معركتنا ضد الإرهاب، من أحياء حلب الشرقية إلى حمص وريف دمشق والمنطقة الجنوبية والجولان، وبطبيعة الحال، فإن معركة إدلب هي اليوم جزءٌ رئيسي من تحقيق النصر على الإرهاب. الجميع يعلم والأمم المتحدة تُقر بذلك صراحة في تقاريرها الرسمية لا سيما تقرير فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات التابع لمجلس الأمن والذي ورد فيه بأن إدلب اليوم هي المستنقع الأكبر لتجميع بقايا إرهابيي "داعش" وعناصر التنظيمات الإرهابية المصنفة، ولا سيما "القاعدة" و"هيئة تحرير الشام" و"جبهة النصرة". وبالتالي، فإن انتصارنا في هذه المعركة، وهو قادم لا محالة، يعني إنجاز القسم الأهم من معركتنا مع حلفائنا ضد الإرهاب، لنتفرغ بعدها وبشكل نهائي للقضاء على باقي الجيوب الإرهابية في شرق الفرات، ووضع حدٍ لأي سلاحٍ غير شرعي وخارج إطار الدولة السورية وأجهزتها"، مؤكدا أن "لا أحد قادر على إعطاء موعدٍ نهائي لتحقيق النصر الكامل على الإرهاب، ولكن ما أستطيع قوله إنهذه المعركة باتت في مراحلها الأخيرة، وأنها لن تتوقف حتى تتحقق أهدافها الاستراتيجية بشكل كامل، هذا مطلب شعبي وواجب حكومي ودستوري".
وفي سياق منفصل، رأى الجعفري أن "من المعروف عبر التاريخ أن سوريا كانت المقصد الرئيسي والأول لهجرة الأرمن الهاربين من مجازر السلطنة العثمانية بحقهم، ولا يزال يستحضرني ذلك المقطع من فيلم "The Promise" الذي وثق لتلك الفترة ولتلك المجازر. في ذلك المقطع من الفيلم، يقف الشاب الذي خطط وقاد مسيرة الهروب والنجاة من ظلم وجرائم العثمانيين، ويخاطب الآلاف من الأرمن بالقول "أمامنا طريقان للنجاة، إما إلى حلب أو إلى أوروبا"، ولقد عاش الأخوة الأرمن في سوريا لعقود طويلة وأصبحوا مكوناً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً أساسياً في المجتمع السوري نفتخر به، وهم يعلمون تماماً أن سوريا كانت وستبقى تذكر ما تعرضوا له من جرائم على يد العثمانيين، أما قرار مجلس الشعب السوري فهو إضافةٌ قيمةٌ جديدة على موقف سوريا التاريخي القائم على الاعتراف بالمجازر المرتكبة بحق الأرمن وإدانتها"، معتبرا أن "مجلس الشعب في سوريا يعكس إرادة الشارع السوري، ويعكس غضب السوريين من سياسات النظام التركي الإخواني، ويعكس في ذات الوقت العرفان للأرمن السوريين ولأرمينيا شعباً وحكومة، لموقفهم المشرف إلى جانب سورية في الأزمة الحالية. وأود أن أذكر في هذا الصدد، أن سورية استقبلت لاجئين من هربوا من الاضطهاد في أكثر من بقعة في العالم لا سيما أوروبا نفسها حيث فرَّ منها إلى سوريا كثير من الأرمن واليونانيين والألبان واليوغوسلاف والشركس من القوقاز، هذا إلى جانب الأشقاء من فلسطين والعراق والكويت ولبنان".
من جهة أخرى، أشار الجعفري إلى أنه "أختلف مع الرأي القائل إن سوريا لا ترد على الاعتداءات الإسرائيلية، إلا إذا كان المقصد هو جبهة حربٍ مفتوحة مع العدو الإسرائيلي اليوم"، مذكرا بأن "العدو الإسرائيلي دعم الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الفصل بشكلٍ مباشر، وكان يشن غاراتٍ لدعم هذه المجموعات، أما اليوم، فقد دحرنا هذه المجموعات واستعدنا السيطرة على منطقة الفصل في الجولان السوري المحتل وعلى معظم الأراضي السورية التي كانت تسيطر عليها الجماعات الإرهابية العميلة لإسرائيل من جبهة النصرة والخوذ البيضاء وغيرهم. هذه كانت بحد ذاتها هزيمة للإسرائيليين ولحلفائهم. الإسرائيليون، بزعامة المتطرف بنيامين نتنياهو، يعيشون اليوم هوساً لمجرد التفكير أن الحكومة السورية تحارب الإرهابيين جنباً إلى جنب مع الأخوة في إيران وحزب الله، ومعهم القوات الروسية الصديقة، وهم يؤمنون تماماً أن سلاح الإرهاب الذي استخدموه مع حلفائهم الأميركيين ضد سوريا، قد ارتد عليهم وأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً لقاء ذلك".
وشدد الجعفري على "اننا كسبنا الجزء الأكبر من معركتنا ضد الإرهاب، ورغم الأثمان الباهظة التي دفعناها بشرياً واقتصادياً واجتماعياً بسبب هذه الحرب، فقد حققنا إنجازات سياسية وعسكرية هامة ستصب بالتأكيد في مصلحة محور المقاومة. معركتنا هذه جزء من حرب طويلة ولن نتراجع فيها إلى أن نستعيد حقوقنا في الجولان المحتل"، معتبرا أن "انتصارنا على الإرهاب لم يكن عسكرياً فقط بل سياسياً ودبلوماسياً. ويكفي أن أشير إلى أن أعداءنا في مجلس الأمن من رعاة الإرهاب قد اضطروا للانتقال من الإنكار الكامل لوجود الإرهاب في سوريا إلى الإقرار الكامل بوجود هذا الإرهاب لا بل واعتماد 20 قرار لمكافحة الإرهاب".