هو نائب في البرلمان اللبناني يهوى القراءة وشراء الكتب، ولديه في مكتبته الخاصة عشرات الآلاف من الكتب والموسوعات، وأرشيف منظم للصحف اللبنانية منذ العام ١٩٧٥ وحتى اليوم. توجّه خلال الأسابيع القليلة الماضية الى مجمّع تجاري قائم في ساحل المتن الشمالي بهدف شراء كتاب من إحدى المكتبات داخل المجمّع، وبعد حوالى عشر دقائق على وصوله الى المكتبة، تلقى إتصالاً مصدره مسؤول في سفارة أجنبية بارزة داخل الأراضي اللبنانية، وفيه سمع التالي "من الأفضل أن تترك المجمّع بسرعة لأن هناك مجموعة من "الثوّار" علمت بوجودك حيث أنت وهي في طريقها الى المجمّع بهدف طردك كما حصل مع نواب آخرين". في لحظة الإتصال، حضرت الى ذهن النائب المذكور سلسلة من الأسئلة، أوّلها كيف عرف الثوّار بمكان تواجده خصوصاً أنه لم يكن برفقة أحد بل كان بمفرده، وثانيها هل قام أحد من داخل المكتبة أو المجمّع بإبلاغ "الثوّار" بوجود النائب؟ أما السؤال الثالث والأبرز، فهو، كيف علمت السفارة الأجنبية بمكانه؟.
في البداية، فكّر النائب وهو قيادي بارز في حزبه، بإحتمال عدم ترك المجمّع أولاً كي يؤكد لـ"الثوّار" بأن هناك نواباً في البرلمان يهتمون بثقافتهم ويدفعون المال للحفاظ عليها وتنميتها، وان ثقافة التعميم وتوزيع الإتهامات على الجميع التي يسوّقون لها ليست في محلها لا في الفساد ولا في سرقة المال العام، وثانياً كي يقول لهم أن في المجلس نوابا لا يخافون من أحد ما دامت أيديهم نظيفة من أي فلس له علاقة بالمال العام، ولكن في نهاية المطاف قرر النائب المغادرة قبل وصول المجموعة، بعد إقتناعه بإحتمال أن يكون "الثوّار" الذين يطاردونه يبتعدون بفكرهم كل البعد عن مفهوم إحترام الرأي الآخر والنقاش الهادئ، وتفادياً لسجال معهم لن يقدم ولن يؤخّر ولن ينتج عنه سوى فيديو ساخر يوزّع كمادة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وبالفعل ترك النائب المكتبة والمجمّع قبل وصول "الثوّار".
أهمّ ما في هذه الحادثة، يلخّصه السؤال التالي، من أبلغ السفارة الأجنبية البارزة معلومة أن مجموعة من "الثوّار" ستحضر بهدف طرد النائب من المجمّع المتني؟ ولماذا إتصلت بالنائب المذكور علماً أن المعلومات والتقارير الأمنية تؤكد أنها كانت من أبرز الداعمين لحراك ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩؟. وبما أنها من داعمي الحراك المذكور ومن مصلحتها أن تدعم "الثوار" فلماذا عطّلت بإتصالها مهمتهم ومنعتهم من إضافة فيديو جديد الى سلسلة تحركاتهم التي تهدف الى طرد النواب من المطاعم والمجمّعات لتصويرهم وكأنهم باتوا مرفوضين من قبل المجتمع؟.
أسئلة وتساؤلات بألغازها وتناقضاتها جعلت النائب المذكور يتأكد أكثر فأكثر بأن سفارات عدة ركبت موجة حراك ١٧ تشرين الأول الفائت الذي إنطلق بعناوين شعبية مطلبية وعرف يومها بـ"ثورة" الضريبة على الواتساب.