كلّ من دقق في تفاصيل الاتفاق، على ضوء ما سبقه من احتدام في المعارك، ميدانياً وسياسياً، بين سورية وحلفائها من جهة، والنظام التركي ومجموعاته الإرهابية في محافظة إدلب من جهة ثانية، يدرك جيداً أنّ أردوغان قد مُني بهزيمة عسكرية وسياسية.. فالاتفاق حقق النتائج التالية:
أولاً، تثبيت الإنجازات الكبيرة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في أرياف حلب وإدلب وحماة، وما أدت إليه من تأمين إعادة فتح اوتوستراد حلب حماة دمشق، ووضع آلية عملية لفتح اوتوستراد حلب اللاذقية.. وهو ما يعني تنفيذ اتفاق سوتشي بالقوة، بعدما تهرّب أردوغان وراوغ في تطبيقه، بل وعمد إلى الكشف عن دوره الفعلي كراع وحام للإرهابيين بكلّ منوعاتهم..
ثانيا، التأكيد مجدّداً العمل على تصفية الجماعات المسلحة المصنفة منظمات إرهابية وأدرجت على لائحة مجلس الأمن الدولي…
ثالثاً، التشديد على احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية.. ومواصلة الجهود السياسية لحلّ الازمة في إطار مسار أستانة…
هذه النتائج التي تمخضت عن الاتفاق، تؤشر إلى تسليم أردوغان بما حصل في الميدان من وقائع جديدة، بعدما أخفق في تحقيق أيّ مكسب في الميدان لمصلحة الجماعات الإرهابية، وخصوصاً فشله في تمكينها من استعادة السيطرة على مدينة سراقب الإستراتيجية الواقعة على طريقي، حلب حماة دمشق، وحلب اللاذقية، وبلدات وقرى جبل الزاوية التي استعادها الجيش السوري من الإرهابيين.. ما يعني أنّ العملية العسكرية نجحت في تحرير القسم الأكبر من المنطقة التي حدّدت في سوتشي لتكون خالية من الإرهابيين والسلاح الثقيل…
لكن ما هي الآفاق على ضوء هذا الاتفاق؟
من الواضح أنّ الاتفاق إنما هو اتفاق مؤقت وليس اتفاقاً دائماً، لأنّ الأصل فيه عدم تكريس بقاء الإرهابيين والقوات التركية المحتلة في ما تبقى من محافظة إدلب خارج سيطرة الدولة السورية الشرعية.. في حين انّ القيادة السورية لديها قرار حاسم وحازم لا مساومة عليه، بمواصلة محاربة القوى الإرهابية حتى القضاء الكامل عليها وتحرير الأرض السورية من أيّ وجود لقوات أجنبية محتلة دخلت إلى سورية من دون إذن أو موافقة من حكومة السورية الشرعية…
انطلاقاً من ذلك فإنّ الاتفاق المؤقت مفتوح على واحد من احتمالين:
الاحتمال الأول، ان يكون الرئيس التركي أردوغان قد استوعب الدرس جيداً، ويريد فعلاً التخلي عن سياساته السابقة ورهاناته الخاسرة على تحقيق أطماع ومكاسب في سورية، بالتالي العمل على تنفيذ الاتفاق بما يؤدي إلى تصفية أو ترحيل الجماعات الإرهابية المصنّفة إرهاباً، وصولاً للدخول في مفاوضات مع الحكومة السورية، برعاية روسية، للتوصل إلى اتفاق يعيد إحياء اتفاق أضنة بعد إدخال تعديلات عليه، وتنسحب بموجبه القوات التركية من المناطق السورية التي دخلت إليها بحجة حماية الأمن القومي التركي من خطر قوات الحماية الكردية.. وانتشار القوات السورية مكانها على طول الحدود مع تركيا.. ويستطيع بذلك أردوغان ان يقول للرأي العام التركي انه أبعد الأخطار الأمنية عن تركيا، ويكون ذلك هو المدخل لعودة تطبيع العلاقات بين سورية وتركيا.. هذا الخيار تحبّذه وتسعى اليه كلّ من سورية وروسيا وإيران…
الاحتمال الثاني، ان يعتبر أردوغان انّ الاتفاق فرصة للعودة إلى سياسة كسب الوقت والمناورة من جديد، وبالتالي عدم جديته في تنفيذ ما تعهّد به خصوصاً لناحية تصفية الجماعات الإرهابية.. عندها سنعود عاجلاً ام آجلاً إلى خيار الحسم العسكري لاستكمال مكافحة الإرهابيين وتحرير المناطق التي لا زالت خاضعة لسيطرتهم.. وإذا تدخلت القوات التركية مجدّداً لدعمهم فإنّ الجيش السوري وحلفاءه سوف يواجهون هذه القوات بقوة، كما تمّ في العملية العسكرية الأخيرة والتي أدّت باعتراف أردوغان، الى مقتل 59 من الجنود الأتراك، عدا عن الجرحى الذين لم يعرف عددهم…
في الحالتين، لا يمكن لسورية وحلفائها ان يقبلوا تحوّل الواقع القائم إلى دائم، وإنما يجب أن يكون محطة يتمّ خلالها هضم ما تحقق من إنجازات وانتصارات وتثبيتها، في سياق معركة القضاء على الجماعات الإرهابية المتبقية وطرد القوات الأجنبية عن الأرض السورية.. لانّ ذلك هو السبيل لتحقيق النصر النهائي، واستعادة الأمن والسلام والسيادة والبدء بورشة إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإرهابية الاستعمارية الكونية…