في اللقاء الذي جرى بين رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب والمجلس الوطني للاعلام قبل فترة، كان رئيس الحكومة جازما في ما يخص موضوع اليوروبوند أن الإجراء المقتنع به شخصيا هو جدولة الدين العام وعدم دفع ما يترتب على الدولة من ديون قبل إجراء مفاوضات مع الدائنين تأخذ في الإعتبار المصلحة الوطنية قبل كل شيء ومصلحة المودعين وخصوصا الصغار. كان اختيار دياب هو بين السيء والأسوأ لكنه نجح في تأمين الغطاء الدولي لقرار الجدولة وهذا في حد ذاته إنجاز مهم عكس ما كان يذهب إليه المطالبون بدفع اليوروبوند تحت عنوان ’’الحفاظ على الصدقية الدولية‘‘.
وفي المعلومات أن الدائنين في الخارج تفهموا قرار الحكومة بالجدولة والتفاوض. وهذا أمر ما كان ليحصل لولا إيحاءات واشنطن وباريس وموسكو أي الأطراف الدولية المعنية حاليا بالمسار اللبناني. وعلى حد تعبير شخصية أميركية من أصل لبناني موصولة بدوائر صنع القرار الأميركي. ’’واشنطن لا تريد حصول الإنهيار في لبنان كما يتوهم خاطئا البعض. ما تريده هو إجراء الإصلاحات الضرورية وإجراء الإنتخابات النيابية المبكرة وتعزيز وضع المؤسسة العسكريّة والإهتمام بعنصر الشباب ومواجهة الفساد المستشري‘‘. وما تذهب إليه واشنطن ليس رئيس الحكومة بعيدا عنه باعتباره أن ما ورثته الحكومة الحالية من أزمات متفجرة هو من صنع الطبقة السياسية التي أوغلت في المحاصصة والفساد والنظر إلى الدولة كـ’’بقرة حلوب‘‘.
يأخذ البعض من السياسيين على رئيس الحكومة أنه في خطابه لم يأت بجديد عندما لم يأخذ قرارات سريعة بإجراء الإصلاحات وبمواجهة الفساد وبتحويل مشاريع قوانين إلى مجلس النواب. كلام سهل! فالدكتور حسان لا يريد الإرتجال والكسب الاعلامي على حساب المعالجة الرصينة والموضوعية. فهو خلال الفترة القصيرة من حكمه انصرف إلى معالجة الموضوع الأساسي الضاغط على لبنان أي الوضع الإقتصادي والمالي والنقدي والإجتماعي المتمثل بالدين الخارجي على لبنان واستحقاقاته الموجعة. هذا أولا. وثانيا طلب إلى وزرائه تحضير الأفكار والملفات للأزمات الأخرى المتفرعة عن الموضوع الأساسي الضاغط. وثالثا جدد في خطابه القواسم المشتركة بينه وبين الحراك الشعبي وخصوصا حول أحقية المطالب. وهذا ليس من قبيل الصدفة. بل ’’رسالة‘‘ إلى ’’الحراك‘‘ حول كيفية تنفيذ هذه المطالب وضرورات إجراء الحوار الجدي حولها والتوصل إلى الصيغ الممكنة وخصوصا أنه مقتنع بضرورات الأخذ بالضريبة التصاعدية توفيرا لشبكة أمان إجتماعية للفقراء ولإحياء الطبقة المتوسطة.
جهات فاعلة في ’’الحراك الشعبي‘‘ تتهيأ للحوار مع رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب بعد أن أيقنت جدية الرجل واستقلاليته عن الطبقة السياسية، واقتناعه بأن مبدأ المساءلة والمحاسبة الشعبية يمكنه أن يخدمه في مواجهة ضغوط فريقي 8 و14 آذار على السواء ومعها ضغوط المصارف التي تجد نفسها ملزمة بالتكيف مع سياساته. وهذا أمر إيجابي.
أيضا في الحراك الشعبي ثمة وعي إلى كيفية صيانة المطالب المحقة من تأثيرات ’’وباء المموّل‘‘، الذي يحاول أن يفرض شروطه ومطالبه بعيدا عن ’’التوجه المستقيم‘‘ للحراك خدمة لأغراض خارجية أو داخلية لا علاقة لها فعلا بالمصالح الحقيقية للناس.
أما بالنسبة للإجراءات السريعة، فقد أعطى رئيس الحكومة توجيهاته للوزراء بضرورة تلبية مطالب الناس في الحدود الممكنة من دون انتظار ’’التوافق النهائي‘‘ على الملفّات. أي أن يكون لهؤلاء الوزراء مبادراتهم التي تأخذ في الإعتبار الملاحظات التي يسوقها الحراك سواء بالنسبة لمراقبة الأسعار أو في وزارة الإتصالات... وكذلك في الضمان الصحي والإجتماعي والكهرباء وإصلاح القضاء وممارسات المصارف. من الأكيد أننا إزاء تصورات إيجابية لرئيس الحكومة في أمور كثيرة. منها ضمان الشيخوخة ومنها إعطاء الأولوية لتوفير فرص العمل للشباب. ومنها السير بمبدأ المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة. ومنها معالجة موضوع 60 ألف مذكرة توقيف في البقاع وعكار وطرابلس. ومنها مقاربة موضوع زراعة الحشيش من زاوية إنمائية ولأغراض طبية... وأيضا موضوع إعطاء الجنسية لأبناء المتزوجة من أجنبي.
ختاما نحن إزاء مرحلة يتم فيها التلاقي بين كسب الحكومة لشرعية الشارع وأيضا شرعية الخارج ما يحسم أن لبنان سيخرج من عنق الزجاجة. وهذا ما يعمل عليه الدكتور حسان دياب. وهذا يوجب على النخب الفكرية تحديدا دعمه ومساندته. كما أن النقد الإيجابي مطلوب على ما يذهب إليه من موقع المعارضة وليد بك جنبلاط الذي يأخذ على الحكومة غياب ’’التصور الإصلاحي‘‘.
أيا يكن الأمر على الأقل لدى حسان دياب الجرأة على طرح المخارج الإقتصادية المالية النقدية للوضع. وهذا ما افتقرت إليه الطبقة السياسية سابقا لأنها لا تمتلك مثل هذه المخارج. هي تتحمل ’’فشل النموذج الإقتصادي‘‘ الذي أشار إليه الدكتور حسان دياب.