عندما تأكد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أن خروجه من السلطة التنفيذية صار أمراً واقعاً، كانت أنظاره تتطلع الى تشكيل جبهة معارضة قوية ومتماسكة لحكومة الرئيس حسان دياب، لكن الأيام التي تلت تشكيل الحكومة اضافة الى حجم الإستحقاقات التي عصفت بلبنان جعلتا من الحريري وحيداً في الساحة إذ لم ير الى جانبه أحداً من الأفرقاء الذين كان يعوّل عليهم، لم ير الحريري في الساحة إلا مجموعات الحراك الشعبي وحزب الكتائب، مجموعات الحراك لا تتطابق حساباتها مع حسابات التيار الأزرق إذ ترفع شعار "كلن يعني كلن" وعلى رأس هذا الـ"كلّن" يأتي تيار المستقبل كونه إستلم السلطة التنفيذية في الأكثرية الساحقة من حكومات ما بعد إتفاق الطائف، وحزب الكتائب الذي قرر ركوب موجة المعارضة منذ خروجه من دائرة التمثيل في الحكومات.
رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط يأتي على رأس لائحة الذين عوّل عليهم الحريري لجبهة المعارضة وخذلوه، والضربة القاضية جاءت على لسان الزعيم الدرزي الذي قال إن "الحكومة ليست حكومة حزب الله وفيها وزراء ممتازون". وعن هذا التمايز عن الحريري في التعاطي مع الحكومة، تقول مصادر الحزب الإشتراكي، "لقد إخترنا المعارضة البنّاءة لسنا ضد الحكومة في كل الأمور والملفات كما أننا لن نكون معها في كل الملفات، البلد يمرّ في أصعب مرحلة في تاريخه، والمرحلة لا تحتمل أبداً خضّات إضافية، كذلك يجب أن تترك الشعبوية جانباً في هذا الظرف الدقيق، عندما تنجح الحكومة نقول إنها نجحت وعندما تتخذ قراراً خاطئاً نسلط الضوء عليه بهدف تصحيحه". مصادر الحزب الإشتراكي تؤكد وبما لا يقبل الشك أن"زمن الجبهات السياسية الداخلية والإصطفافات، ولّت الى غير رجعة، وأن الحزب ليس لي وارد المساهمة بعودة عقارب الساعة الى الوراء أي الى زمن ٨ و١٤ آذار، فالمرحلة مختلفة ولها ظروفها المالية والإقتصادية الدقيقة التي تفرض على الجميع التحلي بالوعي ودعم الحكومة حيث يجب أن تلقى الدعم".
هذا بالنسبة الى الإشتراكيين، أما فيما خصّ القوات اللبنانية، وعلى رغم العلاقة السيئة التي تربطها بالحريري والتي ترجمت في الإستشارات النيابية الملزمة التي أجريت في القصر الجمهوري ولم تسمّ فيها الحريري لتشكيل الحكومة، تتحدث المعلومات أن الأخير ذكر في مجالسه الخاصة ولأكثر من مرة عبارة "المعارضة بتجمعنا" وهنا كان يقصد بكلامه تيار المستقبل والحزب الإشتراكي والقوات، ويقول المتابعون للعلاقة بين معراب وبيت الوسط، لقد راهن الحريري على وليد جنبلاط لترميم ما تصدع بعلاقته مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لكن التطورات والإتصالات أثبتت أن جعجع لم يكن مُتحمّساً وذلك يأتي من ضمن تصفية الحسابات السياسية التي تجريها معراب مع الحريري عن مرحلة ما كان يعرف بالتسوية الرئاسية، وأن جنبلاط لا يريد أن يلعب دور الوسيط كي لا يفسّر ما يقوم به وكأنه يعيد بناء جبهة معارضة ضد الحكومة.
في المحصلة يريد رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي إعطاء الحكومة فرصة، وكذلك قرر جعجع، إنسحبت جماهير الرجلين من الشارع، وترك الحريري وحيداً. حتى شارع الحراك يهاجمه ويحمله مسؤولية كبيرة عما وصلت اليه الأمور مالياً وإقتصادياً. لذلك قرر الهروب الى الأمام في معارضته الحكومة متكلاً على التطورات المقبلة التي قد تعيده الى السراي حتى ولو كانت هذه التطورات سبباً أساسياً في إنهيار البلد ومؤسسات.