مرة جديدة يرتكب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خطأ جسيماً بحق المملكة السعودية والدول التي تعتمد في مدخولها بشكل أساسي على عائدات النفط.. لقد أدّى رفض الرياض لحلّ وسط مع روسيا بخصوص خفض الإنتاج غلى المستوى العالمي، بشكل عادل بين الدول المصدّرة، إلى انهيار دراماتيكي في أسعار النفط العالمية، حيث وصل سعر برميل النفط إلى 30 دولاراً، وهو مرشح لأنّ يهبط أيضاً، حسب تقدير الخبراء، الى 20 دولاراً، في حال عدم الاتفاق بين روسيا والمملكة السعودية.. على أنّ هذا التراجع الكبير في أسعار النفط سيكون الخاسر الأكبر فيه هو الرياض التي تشكل عائدات النفط نسبة 95 بالمئة من مداخيلها، لكون اقتصادها اقتصاداً ريعياً، غير متنوّع، الأمر الذي يفاقم من عجزها المالي المتزايد على خلفية الكلفة الباهظة لحرب الاستنزاف التي تتكبّدها في رمال اليمن المتحركة، والتراجع في نمو الاقتصاد العالمي، اثر انتشار وباء «كورونا» في مائة وخمس دول… على عكس روسيا التي تتميّز بتنوّع اقتصادها الذي يعتمد على موارد متعدّدة، حيث إضافة إلى النفط، فإنّ روسيا تصدّر الغاز والأسلحة، وبدأت دخول الأسواق العالمية من خلال الصناعات المدنية الاستهلاكية، مثل صناعة السيارات، التي شهدت تطوّراً بعد أن وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سلّم أولويات برنامجه الذي فاز على أساسه في الانتخابات الرئاسية، تطوير الصناعات المدنية… هذا الى جانب غنى روسيا بالموارد المعدنية، وتدفق الاستمارات العالمية في الشرق الروسي الغني بالثروات الباطنية…
من الواضح إذن، انّ روسيا تستطيع التكيّف مع أسعار نفط منخفضة، أما السعودية فإنّ ذلك يشكل كارثة بالنسبة لها، خصوصاً أنه يترافق مع توقف العمرة نتيجة فيروس «كورونا»، وانهيار أسهم شركة «أرامكو» بنسبة كبيرة، وتراجع الإقبال على الاستثمار، وبالتالي تعثر خطة 20-30 الاقتصادية التي يراهن عليها ولي العهد لإحداث نهضة في الاستثمارات الخارجية وتنويع الاقتصاد السعودي، الذي لا يزال يعتمد على ريع عاذدات النفط…
لكن لماذا يتخذ محمد بن سلمان مثل هذا القرار الذي أحدث انهياراً في أسعار النفط ويكبّد السعودية خسائر جسيمة، في لحظة حساسة تمرّ فيها نتيجة النزف الكبير في اليمن، وعقد صفقات السلاح بعشرات مليارات الدولارات..؟
لا سبب سوى الاستجابة لإملاءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي باتت كلّ خطواته وقراراته التي يتخذها هدفها الأساسي تحقيق مكاسب تنعكس إيجاباً على الاقتصاد الأميركي والوضع المعيشي للأميركيين، في سياق العمل على تعزيز شعبيته مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يطمح للفوز بولاية ثانية.. وترامب يجد في السعودية «بابا نويل»، الذي يقدّم له الهدايا في اللحظة التي يطلبها منه، ومحمد بن سلمان تحوّل إلى خادم مطيع ينفذ بدون نقاش أوامر ترامب، للحصول على دعمه في الوصول إلى عرش المملكة السعودية، وإزاحة كلّ منافسيه في الأسرة الحاكمة، حيث من المعروف أنّ المملكة تخضع تماماً للهيمنة الاستعمارية الأميركية، ولا يمكن لأيّ طامح للعرش ان يصل إليه إذا لم يحظ برضى الإدارة الأميركية.. لهذا فإنّ ترامب يدعم ويحمي ابن سلمان في مواجهة منتقديه في داخل وخارج المملكة، لانّ ولي العهد أعطى للرئيس الأميركي ما لم يحلم به، حتى أنّ ترامب بات يتفاخر بذلك علناً، ويقول إنّ السعودية لا تملك سوى المال ونحن نريد هذا المال مقابل الحماية التي تقدّمها أميركا لنظام الحكم الملكي فيها.. فالسعودية بالنسبة الى ترامب هي الدجاجة التي تبيض له ذهباً…