وكأنه لم يكن ينقص هذا العالم إلا «وباء» عابر للدول والقارات لتزداد معه حالة الهلع والمرض والموت ويزداد منسوب التوتر والقلق المتفاقم أساساً بفعل الصراعات السياسية والعسكرية في مناطق مختلفة من العالم.
لقد تجاوز فيروس «كورونا» بأثره السلبي القطاع الصحي وصحة الفرد ليصيب بسمومه قطاعات مختلفة من حياتنا الاجتماعية، لا سيما الاقتصادية منها وهذا ما سنحاول الإضاءة عليه من خلال الإشارة الى بعض الجوانب المتعثرة بفعل انتشار الفيروس وأثر ذلك على الاقتصاد العالمي والنشاطات الاجتماعية.
الصناعة والتبادل التجاري (الاستيراد والتصدير)
لا يُخفى على أحد دور الصين المتعاظم في الاقتصاد العالمي (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) بحيث تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مركز صناعي وتجاري جذب العديد من الشركات العالمية من مختلف المجالات الصحية والسيارات والتكنولوجيا الفائقة وغيرها من الصناعات التي تنطلق من الصين إلى مختلف دول العالم في حركة تجارية ناشطة، وبحضور الصين على الخريطة الاقتصادية للعالم شكلت عاملاً منافساً من خلال عمليات التبادل التجاري ستفتقدها معظم دول الشرق الأوسط ما سينعكس على فقدان بعض السلع أو ندرتها أو ارتفاع أسعار البديل عنها.
مع انتشار الفيروس في العديد من الدول وبالأخصّ في الصين تأثرت سلباً معظم الصناعات وعمليات التبادل التجاري بداية بفعل الاضطرابات وعمليات الحجر في المدن المصابة، أو بفعل التدابير الوقائية التي قيّدت من خلالها العديد من الدول تصدير بعض المنتجات ذات الصلة بالرعاية الصحية من أجل إعطاء الأولوية لأسواقها الخاصة.
بالنسبة لصناعة المستلزمات والأدوات المتعلقة بالرعاية الصحية، هناك مخاوف جدية بشأن نقص المواد المستخدمة في تشخيص فيروس كورونا، بالإضافة إلى الإمدادات الطبية الأخرى الضرورية في رحلة الرعاية للمصابين بهذا الفيروس «الوبائي».
وفي المجال الصحي أيضاً تتزايد المخاوف مع استمرار حالة الحجر للمدن إذا صحّ التعبير من تناقص كميات العديد من المنتجات الصيدلانية التي تصنّع في الصين وتوزّعها شركات الأدوية الكبرى في جميع أنحاء العالم.
قطاع الخدمات
من القطاعات الأساسية التي تأثرت سلباً وبشكل كبير من انتشار فيروس «كورونا» كان قطاع الخدمات والسياحة، وبفعل هذا «الوباء» توقفت العديد من الرحلات الجوية وتكبّدت شركات الطيران خسائر فادحة فمثلاً تدنّت حركة الطيران في الصين الى أكثر من 80% عما كانت عليه، وهذا ما ينعكس أيضاً بمفاعيله السلبية على القطاع السياحي حيت تتأثر بشكل مباشر المطاعم والفنادق نتيجة عمليات الحجر ووضع قيود على حركة النقل والسفر، فالصين وحدها مثلاً كانت تصدّر أكثر من 170 مليون سائح لمختلف العالم ينفقون حوالى 277 مليار دولار وعلى هذا القياس يمكننا توقع حجم الخسارة التي ستصيب قطاع الخدمات في العالم، وفي هذا السياق تحدثت تقارير عن أنّ 70% من فنادق قم الإيرانية مقفلة، وأعلنت شركة إعمار العقارية عن توقف حجوزاتها بدءاً من منتصف آذار في ثلاث فنادق كبيرة في دبي، وفي لبنان استمرت معاناة القطاع التي كانت قد بدأت بفعل الأحداث السياسية منذ أشهر لتشتدّ أكثر مع انتشار فيروس «كورونا»، وقد سجلت حركة المطار مؤخراً تراجعاً تراوح بين 30% و 40% عن الأسابيع السابقة وهذه النسبة مرجحة للارتفاع مع استمرار تفشي هذا «الوباء» وإمكانية وقف الرحلات مع الدول الموبوءة بعد إجلاء اللبنانيين الراغبين بالعودة، ولم يسلم القطاع السياحي في أوروبا من الآثار السلبية بحيث تراجع عدد السياح بحسب الأرقام المتداولة هناك إلى نحو40% من عدد السياح المتوقع.
أضف إلى ذلك أنّ السياحة الدينية شبه متوقفة بسبب التدابير الإحترازية في معظم الدول المتواجد فيها المقامات والمزارات الدينية لمختلف الديانات للتقليل من التجمعات والحدّ من إمكانية نقل العدوى.
الأسواق المالية
لقد كان للفيروس أثره السلبي على الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم، حيث أنّ معظم الشركات الكبرى وبالأخصّ في الدول المصابة قد اضطرت إلى الإغلاق أو تسريح العمال ولو مؤقتاً، وتأثر الأسهم بالحركة البطيئة للأعمال.
وعلى سبيل المثال فقد سجل سعر النفط الأسبوع الماضي هبوطاً بنسبة 4%، وتراجع مؤشرات الأسهم عالمياً، حيث بلغ مؤشر «يوروستوكس 600» هبوطاً بنسبة 3.81% مع نهاية الأسبوع المنصرم، وكذلك تأثرت سلباً المؤشرات الرئيسية في وول ستريت لتهبط بنسب متفاوتة لا تقلّ عن 1.60%، ولم تسلم الأسواق المالية الآسيوية من الأزمة فمثلاً سجل مؤشر «نيكي» الياباني هبوطاً بنسبة 2.13%.
القطاع التربوي والتعليمي:
بعد اتساع رقعة انتشار الفيروس اضطرت العديد من الحكومات وكتدبير احترازي إلى إغلاق المؤسسات التعليمية (مدارس وجامعات) في المناطق المتأثرة، مع التمنّي على الطلاب البقاء في المنازل كإجراء وقائي ومتابعة الدراسة عبر الإنترنت،
ومتابعة الدراسة عبر الإنترنت على الرغم من قصورها في إيصال المطلوب للطالب وتعقيداتها أحياناً إلا أنها شكلت وسيلة بديلة إذا أمكن القول في بعض الدول، لكنها لم تفِ بالغرض عالمياً فهناك مناطق غير متوفرة فيها كما يجب، فكانت بذلك عبئاً إضافياًعلى المدارس والبلدان غير المستعدة للدراسة عبر الإنترنت كخيار، وسيكون لها أثر غير واضح المعالم الى الآن على الحياة الدراسية للطلاب.
الأنشطة الرياضية والترفيهية
في كلّ منطقة ينتشر فيها هذا الفيروس يبدأ الحديث عن ضرورة التقليل من التجمعات والازدحام، وبشكل مباشر لجأت معظم الدول للتقليل من التجمعات وسعياً للحدّ من انتقال العدوى إلى إيقاف بشكل موقت أو إلغاء البطولات والمسابقات الرياضية، أو الإبقاء على بعضها بشكل محدود ولكن بغياب الجماهير وحرمان اللاعب من المشجع الذي يمنحه القوة التحفيزية وحرمان الجماهير من متابعة الرياضات وأيضاً حرمان الأندية والاتحادات من الريع المالي، وعلى سبيل المثال ومع أواخر شباط الماضي أوقفت دولة الكويت جميع الأنشطة الرياضية، وكذلك في لبنان ورغم توقف الدوري اللبناني لكرة القدم لأسباب مختلفة فقد تمّ تعليق الألعاب رسمياً بسبب إنتشار الفيروس، وفي الجزائر ومصر وإسبانيا مؤخراً والعديد من الدول في العالم تجري المباريات رسمياً من دون جماهير.
الأمر عينه ينطبق على الأنشطة والبرامج والمهرجانات الترفيهية بحيث تمّ إلغاء العديد من الحفلات الفنية والموسيقية وأغلقت العديد من أماكن الترفيه.
من الواضح بأن فيروس «كورونا» لم يقتصر بتأثيره السلبي على قطاع الرعاية الصحية والخدمات الطبية في العديد من البلدان فحسب، بل كانت له أيضاً تداعيات على الاقتصاد العالمي،
وإلى أن يتمّ التحكم في انتشاره والتوصل إلى اللقاح المناسب الذي نتمناه قريباً، من الضروري أن نتقيّد بتعليمات وزارات الصحة المحلية ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في العالم من خلال النشرات والتعاميم المتلاحقة.
*نائب في البرلمان اللبناني
ورئيس إتحاد المستشفيات العربية