لا يزال النازحون السوريون يملؤون الدول المجاورة والبعيدة لسوريا بأعدادهم الكبيرة، وهم الذين فروا من الحرب الدامية التي دامت قرابة عقد من الزمن، ولا يزالون ايضاً يصنّفون بأنهم عبء على الدول التي تستضيفهم على اراضيها. لبنان من بين هذ الدول المعنية، وهو لا ينفك يطالب ليل نهار، في عودتهم الى الاماكن الآمنة في بلدهم والتي باتت كثيرة ومتعددة. اليوم، ومع بروز وباء كورونا الذي أصبح على كل شفة ولسان، قد يشكل حافزاً جديداً ومهماً لعودة النازحين الى لبلدهم، فهو يهدّد الحياة بكل ما للكلمة من معنى، واصبح العدو الاول للعالم اجمع.
التصريح اللافت لوزارة الصحة السوريّة بالامس لجهة انه لم يتمّ تسجيل ايّ اصابة بالكورونا، هو خبر مفرح للسوريين بالدرجة الاولى، لانهم قد يكونوا البلد الوحيد في العالم الذي لا يزال محصّناً ضد هذا الوباء المنتشر، وعليه، اصبح من الضروري للسوريين، أينما وجدوا في العالم، العودة الى بلادهم (شرط الاّ يكونوا مصابين بالوباء كي لا ينقلوا العدوى الى مواطنيهم واهلهم)، وبما ان لبنان هو من البلدان القريبة جداً من سوريا، فليس على النازحين التفكير مرّتين قبل اتخاذ هذا القرار المهمّ والذي ينقذ حياتهم. وعلى السلطات اللبنانيّة، من باب أولى، الدفع الجدّي باتجاه عودتهم، حرصاً على سلامتهم اولاً، وتخفيفاً من امكان انتقال العدوى اليهم ثانياً، لانه في حال انتشر الوباء لدى النازحين (لا سمح الله)، فلن يقدر اللبنانيون على التعاطي مع مثل هذا الامر في ظل الامكانات اللوجستية المتواضعة في متناولهم، وعدم القدرة على استيعاب اعداد كبيرة من المصابين لتوفير الخدمة الصحية اللازمة لهم.
وعلى ضوء تصريح وزارة الصحة السورية، يمكن ان يكون كورونا جسر عبور النازحين الى بلدهم بعد طول غياب، ووفق المنطق المتّبع في كل انحاء العالم، لا يمكن عدم استقبال ايّ مواطن يرغب في العودة الى بلده، فكيف اذا كان الحال ان هذا البلد يتمتع بنعمة كبيرة وهي خلوّه من وباء يشكو العالم اجمع من تفشّيه، ويعمل ليل نهار على حصره والحدّ من انتشاره ليجد العلاج الشافي له. لا يمكن للسلطات السورية ان ترفض استقبال مواطنيها ( وهي لم يصدر عنها اي موقف يصب في هذه الخانة، بل ابدت دائماً استعدادها لاستقبال كل من اضطر الى المغادرة طلباً للامان)، كما لا يمكن لاي نازح سوري ان يفضّل تعرض حياته وحياة عائلته لخطر حقيقي في حين انّ البديل موجود وهو العودة الى بلده واهله وبيئته بعد زوال الاسباب الموجبة التي ادت الى نزوحه وتهجيره. كل المحظورات تسقط امام سلامة الحياة، ولا يجب الاستماع الى اي حجة او ذريعة تجعل من العودة امراً سيئاً او عنصرياً او حقداً او غيره من الامور... من يفضّل ان يواجه الموت عوض الانتقال من بلد اجنبي الى وطنه الام؟ من لا تصل اليه شكاوى النازحين لجهة عدم القدرة على العيش بكرامة في اماكن تواجدهم، فما الذي سيخسرونه اذا عادوا طالما ان الظروف ستكون نفسها، مع افضلية حتمية بعدم التعرض لخطر محدق وهو وباء الكورونا؟.
على الامم المتحدة والمنظمات الدولية، اذا كانت حريصة فعلاً على سلامة النازحين السوريين كما تدّعي، العمل على اعادتهم الى بلدهم في اسرع وقت ممكن، حفاظاً على سلامتهم وصحتهم وهو سبب اساسي يطغى على اي سبب آخر اكان سياسياً او دبلوماسياً او اقتصادياً او مالياً... انقذوا النازحين من الخطر، وليعودوا الى سوريا، وليتفرّغ كل بلد الى مصيبته المستجدة.