ينتشر فايروس "كورونا" في العالم كالنار في الهشيم، وتحاول الحكومات اللحاق به، ولكنها لم تتمكن من ذلك حتى اليوم، ما عدا حكومة الصين التي تسبق الفايروس يوما ثم يلحق بها،ثم تسبقه. أعلنت الحكومة حال الطوارئ الصحية في لبنان، أو ما عُرف بالتعبئة العامة، ولكن لم يكن هذا الإعلان هو الأول من نوعه على صعيد دول العالم، فاليوم تعيش أغلب الدول حالة طوارئ.
لم يكن قرار الحكومة الأحد سهلا، فالحديث عن حالة الطوارئ او التعبئة العامة يحتاج الى تدابير وإجراءات استثنائية، لا يمكن للإقتصاد اللبناني ولا للمواطن أن يتحمّلها، ولذلك طالت جلسة الحكومة بغية التفتيش عن حلول وسط، لا تقتل الاقتصاد ولا تنشر المرض بنفس الوقت.
في فرنسا أصبحت حالة الطوارئ الصحية في مرحلتها الثالثة، فمنذ الخميس الماضي تم الطلب من السكّان التزام منازلهم بحسب المتخصص بالشؤون الفرنسية تمام نور الدين، الذي يشير في حديث لـ"النشرة" الى أنّ القانون الفرنسي حدّد واجبات الحكومة في حالة الطوارئ وفي الأيّام العادية. ويضيف: "لن يخسر الفرنسيون شيئا فالدولة تعوّض للجميع، وفي مثال على ذلك ففي الأيام العادية اذا أقامت الدولة أشغالا أمام مطعم أو دكان، فإنها تعوّض عليه خسائره نسبة للعام الذي سبق، والتي خسرها بسبب الأشغال، واليوم أيضا اذا أصيب المواطن بالكورونا وبقي في منزله فإن راتبه يبقى مستمرا، كذلك الأمر بالنسبة للعاطلين عن العمل".
في كندا، وعد رئيس الحكومة تأمين مستلزمات الناس الماديّة والغذائية بحال تم إعلان حال الطوارئ، أما في لبنان فبكل تأكيد لا تستطيع الحكومة اللبنانية فعل ذلك لعدم توافر المال اللازم، وهذا الأمر سبّب نقاشا طويلا بين الوزراء، اذ كيف نقول للمواطن لا تخرج من المنزل وبالمقابل لا نؤمن له الغذاء والقوت اليومي؟.
يبدو أن الدولة اللبنانية تعتمد على المبادرات الفرديّة للأشخاص، والجماعيّة للأحزاب السياسية والنوادي والجمعيّات، وبالفعل انطلق هؤلاء في لعب دور البديل عن الدولة، بينما تحاول الحكومة اللبنانيّة فعل ما يمكن لها فعله في دعم القطاع الصحّي، تجهيز المستشفيات الرسمية، وتأمين الطبابة للمصابين بالفايروس.
لم يقف الوضع الاقتصادي الصعب عائقا بوجه اللبنانيين الذين أظهروا، بنسبة مقبولة منهم، مسؤوليّة كبيرة، وأعربوا عن تضامنهم مع اللبنانيين الملتزمين في منازلهم، فنشأت صفحات الدعم، منها ما يؤمن الدعم الغذائي للمنازل، ومنها ما يلبّي متطلبات العائلات وتوصيلها الى باب منازلهم دون حاجة للخروج.
في هذا السياق يشير أحد منظمي حملات الدعم الغذائي والمادي الى أن هذا الدعم الذي كان موجودا قبل "كورونا" سيتضاعف اليوم، خصوصا اننا نطالب الناس بالتزام المنازل، وبالتالي أقلّ الإيمان أن نقدّم لهم ما يمكّنهم من الاستمرار والالتزام ريثما تنجلي هذه السحابة السوداء.
ويضيف عبر "النشرة": "نعمل على تأمين الحصص الغذائية، ولدينا جداول تضمّ أسماء وعناوين العائلات التي تحتاجها، وهناك فريق من المتطوعين الذين يتولون عمليّة التوزيع، مع التزام كامل لإجراءات الوقاية"، مشددا على أنّالفرق موجودة في كل لبنان، والمتبرعين هم من اللبنانيين الذين يعلمون وضع دولتهم ووضع الناس.
لم يلتزم كثيرون بإقفال محالهم وشركاتهم وأعمالهم، بسبب الوضع الاقتصادي والمالي، ولكن رغم علم الجميع بصعوبة الحال، يجب أن يعلموا أيضا أن انتشار الوباء سيعني الإقفال القسري، وبدل أن يكون الوقت لأسبوعين تقريبا سيكون لأشهر، عدا عن حالات الموت، وتكلفة المعالجة.