الله هو الله وشربل هو شربل. الله هو الخالق وشربل هو مخلوق. ألله هو القُدّوس وشربل هو مُقدَّس. الله هو المَعبود وشربل هو عابد. الله هو الألف والياء، المصدر والغاية، وشربل هو تّائق إلى المصدر ومتشوّق إلى الغاية التي لأجلِها أوجده الله. الله هو المُخلِّص وشربل هو مُخلَّص. الله هو الأزليّ السّرمدي غير المائت، وشربل هو مائت وحَيٌّ بحياة غير المائت. الله هو الملجأ والمُعين، وشربل هو مُلتجئ ومُعان. هكذا أمضى شربل حياته تائقاً عابداً مُعاناً ومُلْتَجِئًا إلى الله الذي تَحقّ له وحده العبادة والمجدُ والسّجود والإكرام والتعظيم والمديح. وفي نظر شربل لا يجوز الخلط بين الله والإنسان في العبادة مهما سما هذا الإنسان في علاقته السّماوية، لأنّ الله يبقى الله والإنسان يبقى الإنسان، وما يحدث من انزلاقٍ في عبادة بعض المسيحيين من الله إلى شربل، يُسيء إلى الله وإلى شربل "السّكران بالله".
نعم، لَم يَعد الوضع، فيما يتعلّق بعلاقة بعض المؤمنين بشربل، إكراماً بل عبادة! وهو أمرٌ ليس مقبولاً البتّة. لقد أضحى شربل شُغل الناس الشّاغل، ليُصبح الأمر أقرب إلى الهيستيريا الدّينيّة الجماعيّة، والهَوس المَرَضي الذي يُجرّد الإيمان من جوهره ويُقدّمه للناس كقوّة سحريّة تعزيميّة كفيلة وحدها بإيجاد الحلول للمشاكل التي يُعاني منها الناس. ويترافق هذا الهَوس مع سلوكيّاتٍ عجيبة غريبة، ومع شعائر وطقوس دينيّة مُبالَغٌ فيها كثيراً؛ يمتزج فيها التُّقى بالخرافات والهلوسات السمعيّة والبصريّة والضّلالات الذُّهانية. والحقيقة بالضّلال، والمظاهر التقوية بالمَسرَحَة، والتديّن الحقيقي بالعشوائيّة، والفطنة بالسّذاجة، والعقلانيّة بالغُلوّ في العبادة. أنا لا أُشكّك بإيمان طالبي شفاعة شربل، لا سمَح الله، ولا بنواياهم الطيّبة وهُم الطّيّبون؛ فأنا نفسي أؤمن إيمان أمّي الكنيسة بشفاعة القدّيسين. ولكنّني أخشى هذه الظاهرة الجائعة إلى الخوارق وإلى الملموس والمحسوس منه إلى التماس وجه الرّب يسوع، والتي تقف بالمؤمنين عند حدود تراب القبر وورقة السّنديان والزّيت المبارك وحسب، من دون أن تصل بِهم إلى القائم من بين الأموات الذي كرّس شربل حياته كلّها حُبّاً له ورغبةً في التماس وجهه. أحَذّر من أنّ ثمّة انزلاق خطير يحدث، ولو عن غير قصد، إلى عبادة شربل بشكلٍ خاصّ، والقديسين بشكلٍ عامّ في كنيستنا، على الجميع الإنتباه إليه ومنه، وتهدئته وتصويبه ومنع انجرارنا إلى أماكن خطيرة ستشوّه وجه الإيمان الحقيقي وتضرّ بالعقيدة المسيحيّة، فيما لو لَم تُحرِّك السلطة الكنسيّة ساكناً، فتُصوّب المسار بِما يتناسب مع الإيمان والعقيدة.
العبادة تصحّ لله وحده، والتّكريم للقديسين. العبادة هي السّجود لله أي الإعتراف بسيادته كونه السّامي والكائن بذاته، الخالق والقدّوس الحقّ وحده، والحيّ غير المائت والمُحيي وحده. والتكريم هو تقديم الإحترام للقديسين الذين تقدّسوا بالله الذي جعلهم قريبين منه وشهوداً للإيمان أمامنا، وشربل منهم. وتكريمنا للقديسين لا يرجع إليهم، أي إلى بِرٍّ عَملوه، ولا إلى بطولة حياتهم وسموّ فضائلهم، بل إلى "لُطف الله ومحبّته"(تي3: 4)، الذي بَرّرنا بنعمته، "لنَصِير وَارِثِينَ وَفْقًا لِرَجَاءِ الـحَياةِ الأَبَدِيَّة"(تي3: 6).
عندما رَكب الجمع الغفير السّفن وأتوا إلى حيث هو يسوع، قَال لهم: "أَنْتُم تَطْلُبُونِي، لا لأَنَّكُم رَأَيْتُمُ الآيَات، بَلْ لأَنَّكُم أَكَلْتُم مِنَ الـخُبْزِ وشَبِعْتُم"(يو6: 26). بإمكاننا التّغني لا بخمسين ألف زائر يزورون يوميّاً ضريح القديس شربل، بل بأكثر من ذلك العدد بكثير، وهو في الحقيقة، أمرٌ لا يُدهشني البتّة، بل يجعلني خاشِعاً أمام تجلّيات الله في قدّيسيه. ولكن السؤال الذي يُراودني في هذا الإطار هو؛ كم في تلك الأعداد مَن يصعد إلى العيد ليلتقي بيسوع حُبّاً بيسوع لا طَلباً لآية ولا سَعياً وراء غاية، ولينشد "ملكوت الله وبرّه"(متى6: 33)، وليلتمس في صلواته ومسيراته وحجّه الرّوحي، أعجوبة التحوّل الجذري والإرتداد الكامل إلى الربّ؟ سؤالٌ أترك للقارىء المؤمن الإجابة عليه... والسّلام.