لم يتورع الرئيس الاميركي دونالد ترامب لخرق مؤتمره الصحافي المخصص للحديث عن وباء كورونا وانتشاره الكبير في الولايات المتحدة، والخطر الجدّي الذي يحدثه في المجتمع الاميركي بسبب تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية، للحديث عن عودة العميل عامر الفاخوري الى الولايات المتحدة الاميركية. معروف عن ترامب عدم مراعاته للياقات والاصول، وهو بالتأكيد لم يوجّه شكره للحكومة اللبنانية على تعاونها في الموضوع، من باب الكياسة الدبلوماسيّة، بل تقصّد الحديث عن عودة الفاخوري، لاستعادة بعض النقاط في السباق الرئاسي ولو انه لا يشكّل حالياً اولويّة لدى الاميركيين.
ولم تقف حدود توسل ترامب عند هذا الحد، بل تحدث في المؤتمر نفسه عن الجهود التي يبذلها مع سوريا للافراج عن الصحافي الاميركي اوستن تايس، حتى انه استخدم كلمات منمّقة في سبيل هذا الامر اذ قال وفق شبكة "سي ان ان": "نقوم بما في وسعنا. لذلك، سوريا، رجاء، اعملي معنا، ونحن سنقدّر سماحك بخروجه"، واستطرد في وقت لاحق لمراسلة المحطّة انه "لا اؤكد انه لا يزال حياً". ولم تتوقّف عجلة الاخراج السياسي لعودة المواطنين الاميركيين عند هذا الحد، اذ عمد وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى التشديد على ان ايران افرجت عن المواطن الاميركي مايكل وايت لدواع انسانيّة، شرط عدم مغادرته البلاد، وانه حالياً في مقر السفارة السويسرية في ايران.
كل هذه المواقف، يمكن وضعها في خانة تعزيز وتحسين صورة ترامب لخوض معركة ولايته الثانية، خصوصاً وان وباء "كورونا" هدم الكثير ممّا بناه الرئيس الاميركي في السنوات الماضية، ان من ناحية الاقتصاد او من ناحية العلاقات مع القارات الاخرى. في الخانة الاولى وهي الاهم بالنسبة الى ترامب، اطاح الوباء بالانجازات التي يتفاخر بها، وقد ادّت الخسائر في البورصات وتوقف الاعمال، الى تهديد عائلات وعودة شبح البطالة وتراجع نسب النمو. صحيح ان المشكلة غير محصورة فقط بالولايات المتحدة الاميركية، بل هي ازمة عالمية، الا انها تأخذ طابعاً مختلفاً حين يتعلق الامر بترامب، فهو لطالما عوّل على هذا الموضوع ليفرّق نفسه عن غيره من السياسيين والرؤساء الى أي حزب انتموا، وها هو اليوم يرى نفسه وقد تراجع بشكل كبير دون اي جهد من قبل منافسيه، وعليه فإن الخوف يكبر اذا ما اصبح على اساس واحد مع غيره وبالتحديد مع منافسه المقبل من الحزب الديمقراطي، والمتوقع ان يكون نائب الرئيس السابق جو بايدن.
هذا الواقع المرير، يزداد تأزماً مع ابتعاد ترامب مجدداً عن القارات الاخرى في العالم وخصوصاً القارّة العجوز التي آلمتها التدابير والمواقف القاسية التي اتخذتها الادارة الاميركية بحقّها وسط ازمة كورونا، اضافة الى عدم مراعاته مشاعر الصينيين وتسبب بسوء تفاهم كبير معهم حول الموضوع نفسه.
قد يكون الرئيس الاميركي يأمل بالوصول الى لقاح ناجح للوباء خلال اسابيع، وهذا ما سيعيده الى الساحة الاقتصاديّة مجدداً ليمارس العمل الذي يبرع فيه بامتياز، ويستعيد بريقه ويثبت حضوره مجدّداً لدى الاميركيين، ولكنه اليوم بحاجة الى تثبيت قاعدته والعمل على منع تراجعها او دفعها الى التشكيك به.
انه تحدّ كبير يواجهه ترامب من حيث لا يدري، والاهم ان الديمقراطيين لم يضطروا الى بذل اي جهد كبير لزعزعة صورته، وهو لجأ على ما يبدو الى لعب ورقة استعادة الاميركيين من الخارج لدغدغة عواطف ومشاعر الشارع الداخلي الذي يعيش ازمة لم يعهدها من قبل، كغيره من شعوب العالم.
ويبقى معرفة موقف الاميركيين انفسهم من هذه التطورات وكيفيّة تعاطيهم مع تداعيات ونتائج كورونا، أكان الامر على المدى القصير أم الطويل (وفقاً لتطوّر الوباء وامكان ايجاد لقاح ناجح)، ومقدار تقبّلهم لرئيسهم الحالي في ظل تراجع الانجازات الاقتصادية والمالية التي كان يعتدّ بها.