خرج العميل عامر إلياس الفاخوري مُستفيداً من سقوط الزمن العشري على تعامله مع العدو الإسرائيلي وجرائم القتل والتعذيب، التي مارسها خلال انضمامه إلى "جيش لبنان الجنوبي" العميل بأمرة العميل سعد حداد ثم العميل أنطوان لحد، أثناء مسؤوليته في "مُعتقل الخيام".
لكن ما زال هذا الملف مفتوح على مصراعيه، حيث سجل تطوّر هام، بمقتل أنطوان يوسف الحايك (مواليد 1969)، أحد أبرز العملاء الذين جرى تداولهم كمُساعدين للعميل الفاخوري، خلال مسؤوليته في "مُعتقل الخيام"، خاصةً ما عُرف بـ "انتفاضة الأسرى" يوم السبت في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، وما تبع ذلك، وإلقاء الحايك قنبلة دخانية بناءً لأوامر العميل الفاخوري، انفجرت أمام باب الغرفة رقم 7، ما أدّى إلى استشهاد بلال السلمان وإبراهيم أبو عز.
فقد عثر على جثة الحايك صباح يوم الأحد الماضي، في محل يملكه في بلدة المية ومية - صيدا، مُضرّجاً بدمائه.
شخصان أطلقا النار
وذكرت مصادر أمنية مُطلعة على سير التحقيقات لـ "اللـواء"، أن إطلاق النار وقع بُعيد وصول الحايك إلى محله، بين الثامنة والثامنة والنصف صباحاً، حيث أطلقت 11 رصاصة: 7 منها أصابة الرأس و4 باتجاه القلب، ووسط المحل وهو يرتدي بيجاما رياضية حكلية اللون، واكتشف مقتله قرابة التاسعة والنصف من قبل أحد الأشخاص الذين دخلوا إلى المحل فوجدوه مضرجاً بدمائه.
وأكدت مصادر أمنية، واسعة الاطلاع، أن المظاريف التي عثر عليها في مسرح الحادث، أظهرت أنها تعود إلى مُسدسين، واحد أطلقت منه 8 رصاصات والأخر 3 رصاصات، ما يُشير إلى أن مُطلقي النار هما شخصين.
وتأكد أن إطلاق النار تم بكاتم للصوت، حيث لاذ من قام بذلك من المكان.
وعملت القوى الأمنية على سحب تسجيلات كاميرات المُراقبة في البلدة المُنتشرة عند مداخلها وطرقاتها، لمُعاينة حركة الدخول والخروج قبل وقوع الحادث وبعده.
ونفت مصادر مُطلعة أن يكون لما جرى خلفيات بالسرقة، لأن صندوق المحل كان مفتوحاً، مُرجحة بأن ذلك مُتعلق بتصفية حسابات، عما قام به الحايك خلال دوره كشرطي في "ميليشيا العميل لحد" مُعاوناً للعميل الفاخوري.
دون أن تغفل التحقيقات فرضية، أن يكون هناك طرف له مصلحة بإخفاء معلومات كان يمتلكها الحايك، والخشية بأن يُدلي بها مُجدداً إذا استدعي إلى التحقيق وتطال بعض الأشخاص، سواءً من بقيوا في لبنان أو عادوا لاحقاً أو هم في الخارج، ومنها ما يُدين العميل الفاخوري.
وأشرف النائب العام الإستنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان على سير التحقيقات، التي يتوالاها مغفر صيدا الجديدة، فيما تقوم الأدلة الجنائية بوضع تقرير مُفصل عن نوع السلاح المُستخدم وطريقة القتل، و"شعبة المعلومات" في قوى الأمن الداخلي وتفريغ مُحتوى الكاميرات لرسم حركة المرور في محيط محل الحايك.
وانقسمت الآراء بين من اعتبر أن ما جرى هو بفعل تقاعس الدولة اللبنانية عن القيام بدورها، والأحكام المُخفضة التي نالها العملاء.
وبين من رفض أن يُبادر أي كان إلى القيام بدور أجهزة الدولة، بعدما خضع الحايك للقضاء الذي حكم عليه بالتعامل والقتل، لكن أسقط هذه الجرائم بفعل مرور الزمن العشري.
وكان الحايك قد افتتح محلاً وسط ساحة بلدة المية ومية قبل أقل من شهر، دون أن يضع ياخله كاميرات مراقبة، وتوجه قرابة الثامنة من صباح أمس الأول (الأحد) إلى محله لتسلم الخبز كالمُعتاد.
وفي الفترة السابقة انتابته حالة من الخوف والقلق، خاصة بعد توقيف العميل الفاخوري، والتهديدات التي صدرت عبر مواقع التواصل الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام للإقتصاص منه.
جرت مراسم دفن الحايك يوم أمس (الإثنين) بقداس أقيم في كنيسة القديس مار جورجيس في المية ومية بمُشاركة راعي أبرشية صيدا ودير القمر لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك المطران إيلي بشارة الحداد وراعي أبرشية صيدا دير القمر لطائفة الموارنة المطران مارون العمار والكهنة، واقتصرت المراسم على الأهل.
وكانت جرت سلسة من الاتصالات كان محورها رئيس بلدية المية ومية رفعات بوسابا، للتأكيد على السير بالتحقيقات في هذا الحادث في إطاره القضائي الأمني، وعدم حصول ردات فعل تفويتاً للفرصة على المصطادين بالمياه العكرة.
بين "ميليشيا لحد" وقوى الأمن
وكان الحايك قد التحق بـ "ميليشيا العميل أنطوان لحد" بين 1 كانون الأول/ ديسمبر 1986 ولغاية العام 1989، حيث حصل استشهاد الأسيرين السلمان وأبو عز.
وبيّنت التحقيقات أنه بموجب كتاب مديرية مُخابرات الجيش اللبناني رقم 1246/م/م/د بتاريخ 9 أيار/ مايو 2002 أنه "تطوع في الجيش اللبناني خلال العام 1989 بصفة جندي، وكان رقمه العسكري 8920126 ولمدة 7 أشهر".
وبن العامين 1989 و1991، كان يُقيم في مزار عين سعادة، قبل أن يلتحق بصفوف قوى الأمن الداخلي، حيث شاهده أحد الأسرى المُحررين في صيدا، وجرى تقديم شكوى ضده، فصدر حكم عن "المحكمة العسكرية الدائمة" في بيروت برئاسة العميد الركن ماهر صفي الدين وعضوية المُستشار المدني القاضي فايز مطر، والمُستشارين العسكرين: العقيد الركن علي بحسون، العقيد الركن إحسان أبو شقرا والعميد الركن إدمون فاضل، في الجلسة التي عقدتها بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2001، برقم 6409/2001، قضت بالإجماع بإسناد التهم إلى العريف الدركي أنطوان يوسف الحايك بإقدامه في الأراضي اللبنانية، وبتاريخ لم يمر عليه الزمن على التجنيد في جيش العدو، وعلى تعذيب المُعتقلين، وعلى قتل المُعتقلين إبراهيم أبو عزة وبلال السلمان عمداً برميه قنبلة دخانية داخل زنزانتهم، ونصت أن جرم القتل حصل عام 1989 والمُلاحقة تمت عام 2000، ويكون قد مرّ الزمن 10 سنوات بين تاريخ الجرم وتاريخ المُلاحقة، وبالتالي إسقاط دعوى الحق العام عنه لجهة المادة 549 عقوبات بمرور الزمن العشري.
وقررت المحكمة بالإجماع حكمه بـ"الأشغال الشاقة لمدة 3 سنوات لجهة المادة 73 عقوبات فقررتها الأخيرة، والأشغال الشاقة المُؤبدة لجهة المادة 569 عقوبات فقررتها الثانية، وإنزالها تخفيفاً للأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات، وإدغام هذين العقوبتين معاً بحيث نفذ بحق العقوبة الأشد – أي الأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات - وبإسقاط دعوى الحق العام عنه لجهة المادة 549 عقوبات لمرور الزمن العشري".
وفي ضوء قرار "المحكمة العسكرية الدائمة" جرى تمييز القضية، حيث حكمت "محكمة التمييز العسكرية" برئاسة القاضي طربه رحمه وعضوية المُستشارين: العميد الركن البحري جورج معلوف، العميد الركن شارل الفرزلي، العميد الركن أمين حطيط والعقيد بيار بيار حاكمه بتاريخ 30 كانون الثاني/يناير 2003، وأصدرت القرار رقم 13/2003 وقضى بالأكثرية - ومُخالفة العميد الركن حطيط رأي الأكثرية - وقضت بإسقاط الدعوى العامة عن المُتهم أنطوان يوسف الحايك لجهة الجنايتين المُستنديتن إليه بمرور الزمن العشري وتعليق الرسوم، وإطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً بداعٍ آخر.
وكان قاضي التحقيق الأول في الجنوب جوزيف سماحة قد أصدر قراراً بتاريخ 27 آذار/ مارس 2001، أعلن فيه سقوط دعوى الحق العام بمرور الزمن العشري عملاً بالمادة 438 أصول جزائية في دعوى اعتقال أسرى وإدخالهم إلى "سجن الخيام".
بعد هذه الأحكام تابع الحايك عمله في قوى الأمن الداخلي إلى أن تقاعد منذ فترة وهو برتبة مُعاون.