يجري النقاش حالياً في فكرة اقتطاع نسبة من الودائع او ما يُعرف بالـhaircut لمعالجة أزمة الدين العام المتفاقم.
انّ المسّ بأموال المودعين تبعاته سيئة جداً على القطاع المصرفي والوضع الاقتصادي العام.
انّ الاموال الموجودة الآن في المصارف هي اموال نظيفة، أتى معظمها من عمل المغتربين في الخارج، وهي حصيلة تعبهم وجهدهم. أما الاموال المنهوبة، فلو كانت موجودة في المصارف اللبنانية، فالأكيد انّه تمّ تحويلها الى الخارج حين بدأت فكرة إقرار رفع السرية المصرفية عن حسابات المسؤولين.
وانني أصرّ، انّه لو استعدنا الثقة عن طريق الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة مع إصلاحات في المرافق العامة والتي ذكرتها مراراً، يكفي لأن نعيد برمجة الدين العام ولن نحتاج الى الـHaircut ولا حتى الى البترول، لأنّه يوجد لدينا رأس مال كبير وهو لبنانيو الخارج.
اذاً، إطمئنوا الى انّ النهب والهدر الذي استمر لعقود قد انتهى، وسيقوم لبنانيو الخارج مع المخلصين في هذا البلد، بما يلزم لإعادة النمو الى الاقتصاد اللبناني وتحقيق الازدهار.
هل يجوز ان تتجاهل الحكومة المداخيل التي يجب ان تُدفع من المستولين على الأملاك البحرية، وتقتطع من الودائع النظيفة؟
هل يجوز ان تتجاهل الحكومة الإحتكارات وبدون تبرير منطقي، كالإسمنت، والتي يجب ان تكون الضرائب عليها أكثر بكثير مما هي عليه، وحصرية الأدوية المسجلة، والتي لا يستطيع ان يستوردها الّا الوكيل، ولكن تقتطع من الودائع النظيفة؟
هل يجوز ان تتجاهل الحكومة المداخيل التي يجب ان تستحصل عليها من المرفأ والمطار، وتقتطع من الودائع النظيفة؟
هل يجوز ان تتجاهل الحكومة المداخيل التي يجب ان تفرضها على الكسارات والمقالع، وتقتطع من الودائع النظيفة؟
هل يجوز ان تتجاهل الحكومة الضريبة على القيمة المضافة، التي لا تُجبى، والتي قدّرها صندوق النقد الدولي بمليار ونصف مليار دولار، وتقتطع من الودائع النظيفة؟
تتجاهل الحكومة غيرها الكثير من الموارد والمداخيل، التي من الممكن ان تعوّض عن المس بالودائع النظيفة.
نُعطي مثلاً لبلد اعتمد الـHaircut وحوّل حسابات المودعين بالدولار الى العملة الوطنية، وهو الارجنتين، الذي لجأ الى الـHaircut بعد تعثره عام 2001، والنتيجة كانت سلسلة انهيارات لا تزال تلاحقه، بدءاً بالانهيار النقدي مع انخفاض الإيرادات وخفض الائتمان، وصولاً الى يومنا هذا واستمرار التعثر، بعد ان وصلت ديونه الوطنية الى ما يقارب الـ90% من الناتج المحلي الإجمالي، ويُتوقع ان يعلن تعثره مجدداً.
الارجنتين بلد يمتد على مساحة مليونين وسبعمائة وثمانين الف كلم مربع، وبعدد سكان يناهز الـ 44 مليون نسمة، ويمتلك موارد طبيعية ضخمة، أي انّ مساحته تعادل 5 أضعاف مساحة France Metropolitaine، وبين الاعوام 1885 الى 1929 كان يُصنّف من بين العشر دول الأغنى في العالم، متقدّماً على فرنسا والمانيا، وبدأ بعدها مسيرة انحدار كبيرة، حيث وصل ترتيبه في العام 2008 الى 46 عالمياً وصولاً الى 2019 بترتيب 71 عالمياً.
هذا مثال واضح كيف يدّمر الفساد وسوء الادارة والقرارات العشوائية الدول. فبلد مثل سنغافورة، والذي كان عبارة عن مجموعة مستنقعات بمساحة 721 كلم مربعاً وعدد سكان يناهز الـ5 ملايين نسمة، ولا يمتلك موارد طبيعية، استطاع ان يكون البلد الرابع عالمياً من حيث الدخل الفردي، من خلال السيطرة على الفساد. وهناك أمثلة أخرى كثيرة.
الأفضل التعلّم من هذه التجارب وعدم الإنجرار الى حلول اثبتت تبعاتها السيئة على الاقتصاد. وعلى الحكومة أن تبدأ جدّياً بإظهار خطتها الكاملة أولاً، بما يتعلق بمراكز الهدر والفساد، وثانياً، المزيد من الشفافية بالنسبة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.