ليس سرّاً أنّ هناك «أحاسيس جديدة» بدأت تنتاب الرئيس حسّان دياب في الأيام الأخيرة، كأنّ المحيطين به يقولون له: إنتهت فترة الدلال المخصّصة لك في «شهر العسل» حصراً، وبدءاً من اليوم سنكون معك في الحساب والمحاصصة والمقاصصة، كما كنّا مع كل الذين سَكنوا السراي قبلك. وعلى الأرجح، بدأ دياب يتذوَّق «الطَّعم»... ويتجنَّب «الطُّعم»!
"كورونا" مِن أمامه و"الكابيتال كونترول" والتعيينات مِن ورائه. فماذا سيفعل دياب؟ الرئاسة الأولى تشدّ به نحو اليمين والرئاسة الثانية نحو اليسار، فأين المفرّ؟ والولايات المتحدة في ظهره وإيران و"حزب الله" في صدره، فماذا سيختار؟
والجوع مقبلٌ ليَنهش البلد بكامل جبروته فيما الدائنون يترصَّدون ويهزّون العصا، فكيف سيتصرَّف دياب؟ والمانحون وصندوق النقد يطالبونه بالإصلاح شرطاً للمساعدات... فيما طاقم السلطة والمال يعاني الحساسية من الإصلاح، فهل تتحدّاه الحكومة أم تستمرّ في إخفاء رأسها في الرمال؟
وقبل ذلك، كم تتوقع الحكومة أن يطول انتظار الناس كي تثبت صدقية وعودها باستعادة الأموال المنهوبة والمهرَّبة وملاحقة الفاسدين؟
السيناريو الذي يتحدث عنه العارفون، للأشهر المقبلة، هو الآتي: ماذا لو انتشر الوباء إلى ما فوق الحدود القصوى لاستيعاب المستشفيات، أي انه وصل في نهاية نيسان مثلاً إلى 5 آلاف مصاب أو 6 آلاف، كما يقدِّر بعض الخبراء، وبات المئات عاجزين عن دخول المستشفيات؟
إنّ نمو أعداد المصابين في شكل عنقودي يُنذر بكارثة، فالإصابات اليومية كانت قبل أسابيع بعدد أصابع اليد، وباتت اليوم بالعشرات، وستكون بعد أسابيع بالمئات. وأجهزة التنفس الاصطناعي المتوافرة، مع تلك التي سيتم التبرّع بها، لا تتجاوز الـ1200 أو 1500 في أفضل الأحوال، جزء منها مخصّص لحالات مرضية أخرى. أي انّ كل الأجهزة المتوافرة لن تكفي لتلبية الحاجة أياماً قليلة.
يقول البعض إنّ هذا التحدّي مماثل للذي تعيشه أي دولة في العالم، حتى القوية والغنية كالولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسواها. هذا صحيح. ولكن في هذه الدول تتوافر مستلزمات الصمود سريعاً، فيما لبنان في قعر الهاوية المالية والاقتصادية. والمشكلة الحقيقية الآتية لن تكون "كورونا" تحديداً، بل الجوع الذي يدعمه المرض.
هذا الجوع سيؤدي في الأشهر المقبلة إلى وقوع حكومة دياب في حالٍ من العجز الفادح. فهي مشلولة تماماً في مجال الإصلاح ولا تجرؤ على التصدّي للقوى التي دعمتها، والموجودة عملياً في داخلها، كما يظهر في الصراع الذي انطلق حول التعيينات المالية والقضائية والإدارية وتدابير "الكابيتال كونترول" والتعاطي مع صندوق النقد الدولي، والذي يهدِّد استمرارها.
وليس واضحاً إذا كان دياب سينجح في تدوير الزوايا ليحافظ على حكومته، فيما "أقوياء" الصفقة السابقة، صفقة 2016، ينتظر بعضهم بعضاً "على الكوع"، وينتظرونه أيضاً.
فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون يريد بقاء العهد "قوياً" لتكرِّس الانتخابات الرئاسية المقبلة ولاية جديدة لفريقه السياسي. وكذلك، يريد الرئيس نبيه بري حجز مواقع قوية في التعيينات الآتية، ولا سيما المالية والمصرفية منها، تحوُّطاً لأي خسائر.
وأما "حزب الله" فهو يقيس كل القرارات على مقياس النفوذ والهجمة الأميركية على الدور الإيراني في المنطقة ولبنان، خصوصاً في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس دونالد ترامب، حيث تغامر طهران بالمراهنة على رئيس جديدٍ بنهجٍ جديد.
وإذا ما شاءت الأقدار أن يطول أمَد الوباء إلى نهايات الصيف أو الخريف، سيبلغ البلد حال اهتراء كامل، على كل المستويات، بل سيكون متروكاً لمصيره، وحده، وبدعمٍ دولي إنساني هزيل، لا أكثر، وسط انشغالٍ كامل للقوى الدولية بأزماتها.
في البحث عن مخارج، يطرح البعض فكرة اللجوء إلى حال الطوارئ أو فكرة الحكومة العسكرية، الموقتة، التي ربما يمكنها إمرار مرحلة صعبة. ويراهن كثيرون على أنّ حكومة كهذه، لا يتحكّم بها السياسيون، ربما تستطيع فرض استعادة جزء من الأموال المنهوبة، فيما يبدو مستعصياً تحصيل أموال من الخارج.
لكنّ آخرين يعتقدون أنّ حكومة كهذه ستواجه تحديات كثيرة في الداخل، لا تقلّ حجماً عن تحديات الحكومة السياسية. وأما حال الطوارئ فقد سارَع رئيس الجمهورية إلى الحديث عنها بالقول: هناك محاولة للدسّ على علاقتي بالمؤسسة العسكرية، ولكن، كان لافتاً تأكيد عون أنه هو القائد الأعلى للجيش.
وكذلك، لا بدّ أن حال الطوارئ تسترعي اهتماماً كبيراً من جانب "حزب الله". وحتى انتفاضة 17 تشرين التي ترتاح للجيش حامياً لها، تطالب بحكومة التكنوقراط من المستقلين، لا الحكومة العسكرية.
في أي حال، هناك حال من العجز والاهتراء لا بدّ أنها واقعة وستتمادى في الأشهر المقبلة إلى درجة يقول بعض الخبراء إنها "لا توصف". وعندئذٍ، في قعر الهاوية، ستنضج الحلول تلقائياً.
وفق السيناريو الذي يتوقعه هؤلاء الخبراء، ستنتهي محنة "كورونا" بعد أشهر، فيما الجميع رفعوا أيديهم مستسلمين للواقعية، أي للخيارات التي يرفضونها اليوم من باب "الدلع"، بكل أبعادها السياسية والاقتصادية. وهي ستكون صعبة ومُكلفة لبعض القوى، لكنها الخيارات الوحيدة.