لاريب ان الظرف الصحي الذي يمر فيه العالم ولبنان راهناً، طغى على كل ما عداه، وكونه مؤثر في الوضعين الاجتماعي والسياسي، فقد كشف إنتشار وباء “كورونا” على امتداد الكرة الأرضية تقريباً، وإنتقال عدوى هذا الوباء الى مئات اللبنانيين، زيف إدعاءات بعض الطبقة السياسية، حرصها عليهم وعلى سلامتهم ومستقبلهم، خصوصاً تلك التي أمسكت بزمام السلطة على مدى ثلاثة عقود، وحققت من خلال ذلك الثروات الطائلة على حساب المواطنين، من جيوبهم، وجراء ذلك، أوصلت البلاد الى الهاوية المالية، والضائقة الاقتصادية، والحالة الاجتماعية الرديئة الراهنة. ناهيك باغداق الوعود الكاذبة يإيجاد عشرات آلاف فرص الأعمال، إن لم نقل أكثر.
ولعل أكثر المناطق، التي وقعت ضحية الوعود المذكورة، هي مناطق: عكار وطرابلس والمنية – الضنية. فلم يغب عن بال أحد، الوعود الزائفة والمتكررة، بتحويل هذه المناطق، “أشبه بالحدائق المعلقة”، ذلك قبيل أي استحقاق إنتخابي، كان آخر تلك “الوعود”، غداة الإنتخاب الفرعي في طرابلس، في العام الفائت، يوم أعيد فرض إنتخاب نائبة “المستقبل” ديما الجمالي.
ولكن من خلال الواقع الملموس والمعيوش، فمنذ إستيلاء “الحريرية السياسية” على الحكم في البلد في العام 1992، لم تحقق في طرابلس أو عكار أي إنجاز إنمائي، أو مشروع يذكر، يسهم في تأمين فرص العمل، لأبناء هذه المناطق، كما وعد الحريريون وحلفاؤهم. لا بل أكثر من ذلك، بعد تعاظم قوة “الحريرية”، بفعل استغلال دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن خلال إثارة النعرات المذهبية، في العام 2005، وما بعده، لغاية العام 2014، تاريخ ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، تحولت طرابلس وبعض مناطق الشمال، حيث يمتد نفوذ “التيار الأزرق”، الى ساحة لتصفية الحسابات الداخلية والاقليمية، حيث شهدت عاصمة الشمال، 21 جولة اشتباك دموي، كان يدور رحاها في منطقتي باب التبانة وجبل محسن، برعاية التيار المذكور، بإدارتيه الأمنية والمالية.
وعند بدء الأزمة السورية في العام 2011، إنغمس “المستقبل” بالتدخل في الحرب على الجارة الأقرب، حيث استخدم جهازه الأمني عكار وطرابلس ومرفأها، لتقويض الاستقرار السوري، ضارباً بعرض الحائط، القوانين والأعراف الرامية الى تنظيم العلاقات بين الدول المجاورة، خصوصاً لجهة حماية أمنها الوطني، وتأمين الحدود بينها. وبعد كل ذلك، يكرر بوقاحة، دعواته لحزب الله، بعدم “الإساءة” للعلاقات اللبنانية مع الدول الصديقة. أما اليوم، وفي ضوء وصول خطر “كورونا” الى لبنان، وإمكان إنتشاره، فجل ما أقدم عليه “تيار الحريري”، هو تقديم إقتراح قانون يفضي الى “إطلاق الإرهابي أحمد الأسير وسواه”.
ورغم الظروف القاسية التي يشهدها البلد، ما من أمر يشغل بال الرئيس سعد الحريري وفريقه، إلا تحقيق “المغانم السياسية والوظيفية”، تارة عبر محاولة إطلاق الإرهابيين، وطوراً عبر الحفاظ على الفاسدين في مواقعهم الإدارية، وبدلاً من إعتماد سياسية مد اليد، الى الحكومة وباقي الأطراف اللبنانيين، في سبيل التصدي لوباء العصر،إنبرى “التيار الازرق”، للهجوم على الدولة، التي نجحت بحدٍ مقبولٍ دولياً، في مكافحة هذا الوباء.
وجاء هجوم الحريري، عند طرح عدد من التعيينات الإدارية الملحة، على طاولة مجلس الوزراء، علّ أن يحافظ هذا التيار على بعض المكاسب الوطيفية، كما ورد آنفاً.
أما بالنسبة للشؤون الصحية، والاجتماعية، والاقتصادي، فمن المؤكد، أنها تأتي في آخر سلم أوليات “التيار”، فلم يسجل له أي نشاط إسعافي أو إنقاذي، أو دعم مالي يذكر في الظروف الراهنة، خصوصاً في مناطق نفوذه في لبنان الشمالي، بل ضمر نشاطه، الذي كان سائداً في الأشهر القليلة الفائتة، غداة إستقالة رئيسه من رئاسة الحكومة، في حين اوعزت أجهزته الأمنية الى زبائنيتها، بتفعيل حركة إقفال الطرق، وإطلاق الخطب المذهبية، في محاولات فاشلة ويائسة، لتأمين عودة الحريري الى السرايا الحكومية، ولكن بعد إقصاء ممثلي أكبر الكتل المكونة للمجلس النيابي، طبعاً وفقاً للحسابات الحريرية، ومن خلفها.. وهاهي المناطق الشمالية التي تئن تحت وطأة الفقر والعوز والحرمان، جراء الظروف الراهنة وما سبقها، خير دليل الى ورد آنفا.