يعيش لبنان دوّامة الأزمات والحروب والثورات المتتالية في كل عقد او عقدين، لكن ما لم يكن في الحسبان ظهور وباء"كورونا" وتفشيه في "وطن الأرز" وفي كل العالم.
هذا ما كان ينقص لبنان الذي عاش الويلات وخاصةً في ظل أزمة حالية إقتصادية ومالية وإجتماعية .فالكورونا هزم أكبر دول العالم التي اشتهرت بأنظمتها الصحية المتقدمة والمتطورة، فكيف الحري بلبنان الدولة الصغيرة التي كانت سويسرا الشرق للطبابة والاقتصاد والسياحة فأفقروها الزعماء السياسيين على مدار أكثر من خمسين عاماً.
الى هنا، يبدو المشهد مأساويا سوداويا لا أفق له بنظر الذين لا يثقون بشعبهم الذي مرر العديد من الأزمات على انواعها .ومع هذه الصورة السوداوية لم يستسلم لبنان فوقفت الدولة والشعب ووسائل الاعلام بوجه هذا الوباء، وهذا الامر يجعلنا نعزّي أنفسنا، فهبّت وسائل الاعلام وفتحت شاشاتها لتبدأ حملة تبرعات التي لم تفرّق بين لبناني وآخر وبين دين أو طائفة أو إنتماء سياسي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حصد برنامج "صار الوقت"للإعلامي مرسيل غانم عبر محطةMTV تبرعات تخطت ٣٠ مليار ليرة لبنانية الى مستشفى بيروت الحكومي ومستشفيات أخرى والصليب الأحمر اللبناني وإلى العائلات الأكثر فقراً. وكذلك حملة مميزة لبرنامج "ضروري نحكي" عبر حملة سطوح بيروت للإعلاميّة داليا داغر التي جمعت أكثر من ٤٦٠ مليون ليرة لبنانية، ليذهب هذا المبلغ لتأمين مئة الف حصة غذائية لعائلات هي بأمسّ الحاجة الى هذه الحصص، ولا ننسى تعاونها اللافت والمميز مع طلاب الجامعة اليسوعية (USJ social club) بمبلغ يناهز ١٥ مليون ليرة لبنانية وتتابع داغر حملتها. كذلك قامت "محطة الجديد"بحملة تبرع تحت عنوان "صامدون"،اما محطة "NBN"
ففتحت الهواء للمساعدات والتبرعات، في حين قام تلفزيون "المنار" باستضافة أحد كبار المسؤولين في "الحزب" الذي أعلن عبر الشاشة انهم قد جندوا ١٥٠٠ طبيب و٣٠٠٠ ممرض و١٥ الف مسعف وداعم لهم .
وهنا أمام هذا العمل غير السياسي، بل إنساني وطني بامتياز، استوقفني كلام صادق للراهبة القدّيسة الأم تريزا بقولها :"ليس في استطاعة الجميع القيام بأعمال عظيمة، لكن يمكن لكل منّا القيام بأفعال صغيرة بحب صادق وعظيم".
لذا، ليس المهم كيفية مساهمتك بعمل الخير وليس المهم كمّية مساعدتك، المهم ان تساعد بقدر استطاعتك لتسعد شخصاً وتحسّن حياة عائلة محتاجة .من هذا المنطلق، سيكتب التاريخ الحديث أن لبنان الصغير بمساحته وبقدراته صمد وصبر وانتصر بهمّة شعبه ووقوفه بهذا التكاتف بوجه وباء هزم اعظم دول العالم.
فيا أيها الانسان سوف تعود الى الارض، إعرف حجمك واعرف ان الحياة ليست بالمال أو بالرفاهية على أهميتهما، فكل هذه الأمور قد أصبحت ثانوية أمام صحتك .
فيا أيها الانسان، ساعد قدر المستطاع واعطي من نفسك، الله سيرى مساعدتك كبيرة أمام الذين أعطوا من فضلاتهم .
"الحق أقول لكم أن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من كل الذين ألقوا في صناديق الخزانة"،
" كلهم ألقوا من فضلتهم أما هيى ضمن عوزتها ألقت كل ما تملك، كل معيشتها"(مرقس ٤٤،٤٣:١٣).