كل إهتمامات الجماهير في العالم بفايروس كورونا وتداعياته الإقتصادية الكارثية. إذا سألت أي مواطن في الشرق او الغرب: ما هي أولوياتك الآن وغداً؟ تأتي اجوبة موحّدة: نريد دواء لعلاج كورونا. نريد لقاحاً لمحاربة هذا الفايروس. ثم نحتاج الى العيش بإستقرار إقتصادي بشكل لا نفتقر فيه بسبب البطالة وفقدان مصادر الرزق وإنهيار المنظومات الإقتصادية.
كل عواصم العالم مشغولة الآن بوقف إنتشار الفايروس، من خلال إلزام الناس بالبقاء في منازلهم. لكن تلك العواصم تعلم ان فترة الإقامة قد تطول إلى ما بعد نيسان، وربما الى ما بعد أيار. وهو ما لا تتحمله إقتصادات مرهقة اساساً كحال لبنان. لا يوجد حل آخر بديل، سوى التكافل الإجتماعي للحد من التدهور المعيشي، كما يفعل اغنياء ومشاهير إيطاليا من خلال دعم مالي مفتوح للفقراء والمحتاجين. تكمن أهمية تلك المؤازرة بأنها تخفّف من نسب الإنهيار المجتمعي، وتحدّ من جرائم السرقات والسطو والإحتيال. عندما تعمّ الأزمات ذات الطابع المعيشي تكثر حالات الجرائم المذكورة بفعل العوز. لذا، يُصبح أمر مؤازرة المقتدرين للمحتاجين واجباً وطنياً وإنسانياً وأخلاقياً لحماية المجتمع ومنع إنزلاقه إلى المخاطر الأمنية. وهنا تكمن مصلحة كل أبنائه المقتدرين قبل المحتاجين.
ما أحدثه كورونا حتى الآن أنه بدّل الأولويات، وسيغيّر السلوك المجتمعي بصورة أكبر في حال واصل إنتشاره. كما أطاح بمشاريع الدول الإقتصادية بعدما ساهم في خفض أسعار النفط في العالم: ماذا ستفعل الدول التي وضعت ميزانياتها على اساس اسعاره المرتفعة؟ ستُصاب بأزمات مالية لن تستثني أحداً، مما يزيد من تداعيات كورونا على كل جماهير العالم المشغولة أساسا بإستيضاح مخاطر الفايروس.
سيكون لبنان من المتضررين ليس من البطالة فحسب، ولا من الغلاء المعيشي فقط، بل من فقدان الدعم المالي الذي كان منتظراً من مؤتمر "سيدر". فالدول التي كانت وعدت بالمساعدة لن تستطيع تأمين أموال لغير مواطنيها. فكيف يمكن تأمين المستلزمات اللبنانية؟ هناك مشكلة حقيقة مقبلة ستواجه لبنان. يجب الإعتراف ان البلد لن يستطيع لا إيفاء ديونه، ولا الإقتراض. لا الدول العربية ستكون قادرة، ولا ايران، ولا روسيا، سيساعدون لبنان بفعل خسائرهم النفطية الهائلة. ولا الغرب، أميركيا واوروبيا، سيكون بعد كورونا قادرا على تأمين اي دعم. تغيّرت أولوياته كما سائر دول العالم. المخاطر تطال ايضاً الفلسطينيين الذين سيفقدون الدعم المخصص تاريخياً للسلطة. فهي إستطاعت ان تؤمن الرواتب لشهر آذار: ماذا عن الأشهر المقبلة؟.
إسرائيلياً، من لديه القدرة على فرض صفقة القرن؟ صارت في آخر إهتمامات الأميركيين والإسرائيليين. كلهم يفكرون فقط في الخلاص من ازمة كورونا. شعوب العالم تخوض صراع البقاء، للخروج بأقل قدر من الخسائر في الأرواح. بينما تحاول الأنظمة ان تخرج بخسائر سياسية واقتصادية غير مميتة للحكومات والأحزاب والقوى التقليدية. الانهيارات آتية في كل دولة، وكل اتحاد، وعلى كل صعيد. وحدهم من يتكافلون سيخرجون بأقل الخسائر. أين سيكون لبنان؟ بالطبع ستكون أولوياته معيشية اقتصادية، من دون إستراتيجيات. مما يساعده ان صفقة القرن راحت، ومشاريع الطمع به انحسرت، وتوزيع شعبه فئات لصالح جهات خارجية اصبح من الماضي، لأن الخارج لم يعد قادرا على الدفع لهم، لا بالمفرق ولا بالجملة. هنا يحمل هذا العنوان بعدين: إيجابي من حيث عدم وجود تدخل خارجي بأمور لبنان. وسلبي من حيث غياب التمويل للجماعات، بعدما كان يغذّي الدورة الاقتصادية اللبنانية. ما بعد كورونا جفاف من الينابيع ستحلّ قحطاً معيشياً في الداخل بسبب تغيّر الأولويات. لبنان يدفع الثمن.