"راحت السكرة وإجت الفكرة"، وفق المثل الشعبي الشائع، هو ما ينطبق على قضية العميل مع العدو الإسرائيلي عامر إلياس الفاخوري.
الآن أصبح العميل الفاخوري في الولايات المُتحدة الأميركية، التي يُسجّل لها أنّها نجحت في استعادة أحد أعضاء مُخابراتها و"الماسونية" العالمية، بعد إخفاقه في المُهمة التي أوكلت إليه في لبنان. وتتوزّع بين السياسية والأمن!
ومن أين كان هذا الإجلاء، من لبنان، المُفترض أنْ يكون بلد المُمانعة بمُواجهة الضغوطات والمُمارسات الأميركية ضدّه!
188 يوماً أمضاها العميل الفاخوري بين توقيفه لدى التحقيق معه في قسم التحقيق في المُديرية العامة للأمن العام، يوم الخميس في 12 أيلول/سبتبمر 2019، والإفراج عنه حين كان موقوفاً في "مُستشفى جبل
لبنان"، يوم الإثنين في 16 آذار/مارس 2020، قبل نقله إلى مقر السفارة الأميركية في عوكر، ومنها هرّبته مروحية عسكرية أميركية، هبطت يوم الخميس في 19 آذار/مارس 2020 في السفارة، قبل أنْ تعود وتُقلِع مُجدّداً، وعلى متنها العميل الفاخوري إلى الولايات المُتحدة الأميركية.
هذا الملف واحد من أبرز ما جرى الاهتمام به، كلٌّ من حساباته الخاصّة، سياسياً، دبلوماسياً، قضائياً، قانونياً، شعبوياً، وتأليباً للرأي العام، ما شكّل "تسونامي" حقيقي، كان الجميع يتمسّك بصوابية وصحّة موقفه ويدافع عنه، مُبرِّراً الأدلّة والإثباتات، التي تداخل فيها المحلي والدولي.
لكن أين هي العلّة التي يتقاذف كرتها المسؤولون، ويرمي بها البعض على البعض الآخر، في صورة مُشابهة عندما يختار الفاخوري أنْ "يُركِّب إذن الجرة متل ما بدو"، لكن تكون تلك الأذن الأولى، لكن يتوجّب عليه أنْ يُركِّب الثانية، إما بالقرب منها أو بمُوازاتها.
في هذا الملف، استفاد الفاخوري من تركيب أذن الجرّة الأولى، فهل يستفيد لبنان عندما يُفكِّر أنْ يُركِّب الأذن الثانية، بتعديل المواد القانونية التي نفذ عبرها العميل الفاخوري، حتى لا ينفذ غيره من العملاء والإرهابيين والمُجرمين، مع النيّة بقرب فتح ملفات بعض هؤلاء؟!
ما جرى بين توقيف العميل الفاخوري بعد التحقيق معه في الأمن العام، وبناءً لإشارة مُفوّض الحكومة لدى "المحكمة العسكرية الدائمة" في بيروت القاضي بيتر جرمانوس، وكف التعقّبات بحقّه من قِبل
"المحكمة العسكرية الدائمة" برئاسة العميد الركن حسين عبدالله، كلّه استند إلى مواد في قانون أصول المُحاكمات الجزائية المعمول به في لبنان، وأيضاً تكليف النائب العام التمييزي في لبنان القاضي غسّان عويدات، مُفوّض الحكومة لدى "محكمة التمييز العسكرية" القاضي غسّان الخوري نقض الحكم، وإصدار قاضي الأمور المُستعجلة في النبطية أحمد مزهر مُذكّرة منع سفر لمُدّة شهرين بحق العميل الفاخوري.
هذا، وإنْ كان هناك تباين في وجهات النظر بشأن المواد القانونية التي يجب الاستناد إليها في هذا الملف، الذي ينسحب على مُلفات أخرى عديدة غيره!
لكن ما هو غير قانوني ومُخالف لكل الاتفاقات والمُعاهدات والأصول، وبينها ما هو مُوقّعة عليه الولايات المُتحدة الأميركية مع لبنان، "قرصنة" و"بلطجة" إخراج العميل الفاخوري من مقر السفارة الأميركية في عوكر، عبر طائرة مروحية عسكرية أميركية، هبطت في حرم السفارة قبل مُعاودة الإقلاع مُجدّداً، وهي تقل العميل الفاخوري إلى الولايات المُتحدة الأميركية، ضاربة عرض الحائط وجود مُذكّرة منع السفر الصادرة عن القاضي مزهر.
هذا الفعل يُصنّف في القانون، على أنّه تهريب مطلوب للقضاء اللبناني، دون ختم جواز سفره، وهو ما يجب أنْ تُسأل عنه السفيرة الأميركية الجديدة في لبنان دورثي شيا، التي كان قد جرى استدعاؤها من قِبل وزير الخارجية الدكتور ناصيف حتي، يوم الجمعة في 27 آذار/مارس 2020، إلى مقر الوزارة، لكن لم
يُعلن عن أنّه وجّه إليها شكوى أو احتجاجاً أو سؤالاً في هذا الموضوع!
الاستفادة من مواد القانون
لقد استفاد العميل الفاخوري من مواد في القانون اللبناني، وإنْ سقط ارتكابها بفعل مرور الزمن العشري، لكن ذلك لم يُسقِط عنه تهمة العمالة مع العدو الإسرائيلي، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الأسرى في "مُعتقل الخيام"، ما أدّى الى استشهاد عدد منهم، وآخرون استمرّوا يُعانون من تعذيبه لهم بشتّى الوسائل الهمجية.
بين توقيف العميل الفاخوري وإطلاق سراحه، كانت هناك أكثر من 6 أشهر، وهي مُـدّة كافية لإقرار تعديلات على مواد قانونية، تحول دون استفادته أو غيره، من هذه الثغرات التي استفاد منها آخرون، ما أصبح يُشكّل سابقة تمَّ الاستناد إليها، ويُتوقّع أنْ يستمر ذلك في مراحل مُقبلة، إذا لم يتم تعديل المواد المطلوبة، لقطع الطريق على الركون إليها في الملفات القضائية العديدة الموجودة في أروقة قصور العدل في لبنان.
لا نتناول ملف العميل الفاخوري من الجانب السياسي، والضغوطات والمُمارسات والتهديدات الأميركية والعقوبات ضد لبنان، ومَنْ كان على صلة بهذا الملف من التوقيف إلى المُحاكمة، بما في ذلك في موقع المسؤولية السياسية.
هذا المُستوى من الاهتمام الأميركي، بدءاً بالرئيس دونالد ترامب، مروراً بالمبعوثين والسفراء، كانت تُقابله مُحاولات بعض المسؤولين الرسميين اللبنانيين للبحث عن صيغ للحل والإفراج عن العميل الفاخوري لمنع غضب "سيدة العالم"، وهو ما لم يؤد إلى خواتيمه التي كان يتمناها بعض هؤلاء السياسيين، فكان نصيب لبنان، أنّه خرج من "المولد بدون حمص" - أي لا نتيجة لا بالسياسة ولا الاقتصاد، ولا تعهّدات باستمرار مُساعدات اقتصادية ولا عسكرية وأمنية، وما يتم في الشقين الأخيرين، هو فقط من مقياس المُخابرات الأميركية بمدى التعاون تحت عنوان "مُكافحة الإرهاب" وفق المفهوم والتصنيف الأميركي.
بين التناقضات الأميركية، وتوجيه الرئيس ترامب الشكر إلى الحكومة اللبنانية على المُساعدة بإطلاق العميل الفاخوري، أشار مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر إلى أنّه "لم يتم عقد أي صفقات، لم تقدّم وعود، لم نعد بالمال، ولم نعد بالإفراج عن السجناء، ولا نتحدّث مُطلقاً مع حزب الله".
حقيقة الوضع الصحي!
خرج العميل الفاخوري بحكمٍ قضائي، وهرب من لبنان، دون أنْ تتم مُساءلة السفيرة الأميركية شيا عن ذلك!
وصل العميل الفاخوري إلى الولايات المُتّحدة الأميركية، ليتلقّى العلاج، لكن ليس من إصابته بسرطان
الدم اللمفاوي، وفق تقرير الطبيبين الشرعيين عدنان دياب وشربل عازار، اللذين وضعاه بتاريخ 18 شباط/فبراير 2020، بناءً لتكليف قاضي التحقيق في بيروت بلال حلاوي، وإفادات الأطباء المُعالجين في "مُستشفى سيّدة لبنان" استناداً إلى الدكتور طانيوس عتيق والدكتور منصور سالم، بعدما كان قد خضع للعلاج في"مُستشفى أوتيل ديو" تحت إشراف اخصائي الأمراض السرطانية فادي نصر.
لكن ما كشفت عنه "اللـواء" يوم الجمعة في 27 آذار/مارس 2020، وفق ما أدلت به إبنة العميل الفاخوري، جيلة، في حديث إلى "real clear politics"، مُغاير، حيث أكدت أنّ والدها "قد أُصيب خلال توقيفه في لبنان بفيروس "إبشتاين - بار" "Epstein -Barr"، وهو فيروس غير مُميت.
هذا ما أكدته أيضاً وكيلة الدفاع عن العميل الفاخوري، الأميركية اللبنانية الأصل سيلين عطا الله.
هذا يطرح التساؤل: "هل استطاعت المُخابرات الأميركية نقل هذا الفيروس غير المُميت للعميل الفاخوري خلال تواجده في لبنان من خلال الطعام أو الأدوية، خاصة أنّ إمكانية الشفاء منه كبيرة جداً؟".
هذه الاعترافات الرسمية من قِبل إبنة العميل الفاخوري ووكيلته، تستدعي مُساءلة الأطباء المعنيين لجهة نوعية التشخيص من مرض سرطان مُميت، فإذا به يتبيّن إصابته بفيروس غير مُميت!
ضرورة تعديل المواد القانونية
وإنْ كان نتيجة التشخيص لن تغيّر شيئاً في ما استندت إليه هيئة "المحكمة العسكرية" بحكمها
بالإجماع، بعدما خرج العميل الفاخوري بقرار قضائي، استند إلى موادٍ من "قانون أصول المُحاكمات الجزائية" اللبناني، يُحتم ذلك ضرورة تعديل المواد القانونية.
وهو ما يطرح تساؤلات عن أسباب عدم القيام بذلك، عندما أقرّت لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب جورج عدوان، في جلستها التي عقدتها يوم الثلاثاء في 14 كانون الثاني/يناير 2020، تعديل مواد قانون، خاصة مُعاقبة التعذيب رقم 65، وتحديداً المادة الثالثة، باعتبار "التعذيب جريمة مُتمادية لا تسقط بالتقادم"، بل أبقت على نص "سريان مرور الزمن على جريمة التعذيب".
هذه الثغرة القانونية، تمَّ التنبّه إليها سواء من خلال "مركز الخيام" الذي تقدّم بمشروع قانون تعديل هذه المادة، وتبنّاه عضو "كتلة التنمية والتحرير النيابية" النائب علي خريس، وهو ما لم يتم.
وما أشار إليه أيضاً بيان "تجمّع المُحامين في حزب الله" بدعوة "نوّاب الأمة إلى الإسراع بالتقدّم بمشروع القانون المُعجّل مُكرّر المُعد من قبل "تجمّع المحامين" إلى مجلس النوّاب، والذي يرمي إلى تعديل قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، لجهة سقوط جرائم العمالة بمرور الزمن".
هنا يبرز ما تضمّنته تغريدة نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر عدرة عبر "تويتر"، العمل على "إعداد وإقرار تعديل لقانون العقوبات، بما يحول دون تطبيق مرور الزمن على أعمال العدوان على لبنان (المواد 273، 274 و275)، وأيضاً إدخال الجرائم ضد الإنسانية ضمن أحكامه - أي عدم شمولها
بمرور الزمن العشري".
في ضوء القانون الحالي المعمول به في لبنان، فإنّ جميع الجرائم ضد الإنسانية تسقط بمرور الزمن العشري.
في ظل سيطرة غالبية زعماء الميليشيات، على الأكثرية في المجلس النيابي، هل ستوافق كتلهم على إقرار مثل هذا التعديل، ما يُعيد مُجدّداً فتح ليس فقط الجرائم التي ارتكبها عملاء العدو، بل التي ارتُكِبَتْ خلال الحرب الأهلية، إلا إذا جرى حصر الأمر بعدم سقوط جرائم العمالة وضد الإنسانية التي يقوم بها العدو وعملاؤه من مرور الزمن العشري!
"حتى يكمل النقل بالزعرور"، هل سيُقدِم العميل الفاخوري على رفع دعوى في الولايات المُتحدة الأميركية ضد مسؤولين لبنانيين، بدعوى حجز الحرية وجرائم ضد الإنسانية!