حتى في مواجهة فيروس كورونا، وجد الجيش اللبناني نفسه على الخطوط الأمامية، مساهماً في تحمّل جزء من مسؤوليات هذه المعركة، فكيف يخوض التحدي الجديد؟
لم يكد الجيش يلتقط بعض أنفاسه عقب الانتشار الواسع وحالة الاستنفار القصوى اللذين فرضتهما عليه التطورات المتصلة بانتفاضة 17 تشرين الاول، حتى اضطر مجدداً الى العودة القوية إلى الشارع في سياق تطبيق قرار مجلس الوزراء بالتعبئة العامة، وما تفرّع عنه من فرض لحظر التجوّل بين السابعة مساء والخامسة فجراً في المناطق اللبنانية كافة.
َوعليه، يتصرّف الجيش في مواجهة «خلايا» الفيروس وتداعياته، كأنه يخوض معركة على الجبهة. وبالتالي، فإنّ تعامله مع تحديات وباء كورونا الذي يهدّد الأمن الصحي لا يختلف عن تعامله مع أي عدو آخر يهدد الاستقرار الداخلي.
وبينما أبدى البعض في لبنان تأييده لإعلان حالة الطوارئ الشاملة، بكل ما يعنيه ذلك من منح الجيش سلطات اضافية واستثنائية، يكشف العارفون انّ من بين الأسباب التي دفعت في اتجاه استبعاد هذا الخيار، حتى الآن، الكلفة المالية التي سيرتّبها على الدولة لجهة زيادة رواتب العسكريين في ظل الوضع الاستثنائي، وعدم حماسة المؤسسة العسكرية لتحمّل تبعات فرض الرقابة على وسائل الإعلام كافة، وفق ما تستوجبه مقتضيات اعتماد «الطوارئ» رسميّاً.
وعملاً بالسياسات الوقائية المتّبعة راهناً، يعرف الجيش انّ اهم شرط للصمود ثم الانتصار في المعركة ضد كورونا، يتمّثل في تحصين خطوط الدفاع الشعبية، على مستوى الجبهة الداخلية، مع ما يتطلّبه ذلك من أكبر التزام مُمكن بقواعد الحماية والحجر المنزلي.
ومن المعروف انّ دوريات الجيش ومخابراته، إلى جانب قوى الأمن الداخلي والاجهزة الأخرى، تتولى الإشراف على تنفيذ التدابير المتعلقة بالتعبئة ومنع التجول، ومراقبة التقيد الشعبي بها، خصوصاً لجهة الالتزام بالحجر المنزلي وبمنع التجول الموضعي. وبالتالي، هي تتدخل كلما دعت الحاجة لفضّ أي تجمع او اكتظاظ قد يشكّل خطراً على الصحة العامة ومنفذاً يتسلل عبره فيروس كورونا الذي يجد في تراخي شروط الوقاية فرصة للتمدد، علماً انّ هناك من يطرح علامات استفهام وتَعجّب حول اتّساع مساحة الخرق لقاعدة الحجر في مناطق عدة خلال اليومين الماضيين، الأمر الذي يستدعي إعادة «شَدشدة» براغي التعبئة.
والى جانب الحضور الميداني، يبدو أنّ الجيش سيكون له أيضاً الدور الأساسي في توزيع المساعدات على الأسَر الفقيرة والأشد فقراً المتضرّرة من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لوباء كورونا، بعدما تنجز الدولة تصوّرها النهائي لطريقة مقاربة هذا الملف.
وما دفعَ نحو خيار الاستعانة بالجيش في هذه المهمة الإنسانية هو امتلاكه مخازن كبرى وقدرة لوجستية واسعة تمنحه مرونة في التحرّك، إضافة إلى سبب مُضمَر، كما يوضح المطلعون، ويكمن في انه من الجهات الرسمية القليلة التي لا تزال موضع ثقة، بعدما فتكَ الفساد بكثير من مؤسسات الدولة وأجهزتها، وأفقَدها النزاهة والشفافية.
ولكن، كيف تحمي المؤسسة العسكرية ضبّاطها وجنودها من كورونا حتى تستطيع بدورها حماية الآخرين منه؟
عُلم انّ الجيش اتخذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية لتحصين جسمه ورفع مستوى مناعته إزاء خطر كورونا، ومن بينها تعقيم كل الآليّات التي يستخدمها في تحركاته، وكذلك ثكناته ومراكزه، خصوصاً غرف مَنامة الضباط والجنود، إلى جانب تزويدهم بالكمامات و»الكفوف» وإخضاعهم إلى قواعد صارمة للنظافة.
ووزّعت القيادة على كل عسكري كُتيّباً، هو كناية عن دليل يتضمن التوصيات التي يجب أن يتقيّد بها للمحافظة على نظافته الشخصية والاحتماء من خطر الإصابة بفيروس «طائش».
كما يتولى الاطباء معاينة اي عسكري تظهر عليه عوارض مرض للتثبّت من وضعه الصحي، مع الإشارة أنه يتم إرساله إلى الحجر الصحي او المنزلي في انتظار صدور نتائج الفحوصات ليبنى على الشيء مقتضاه.
وتحت مظلة هذه القاعدة، امرت قيادة الجيش باتخاذ التدابير الاحترازية الضرورية في فوج الحدود الثاني - مركز راس بعلبك بعد ثبوت إصابة رائد في الفوج بالكورونا.
وتؤكد مصادر عسكرية انّ الجيش يطبّق في كل ثكناته ومراكزه تعليمات وزارة الصحة للوقاية من وباء كورونا، مشدّدة على أنه يتعاطى بكل جدية ومسؤولية مع التهديد الصحي المستجد.
وتوضح المصادر انّ معايير الوقاية تسري على كل جسم المؤسسة العسكرية، انطلاقاً من رأس الهرم المتمثّل في القائد العماد جوزف عون، وصولاً الى كل الوحدات.
وتجدر الإشارة انّ العماد عون يحرص، خلال استقبالاته في وزارة الدفاع أو تحركاته خارجها، على ارتداء الكمّامة.
َولم تقتصر مهمة الجيش الطارئة على الداخل اللبناني، بل تَعدّتها الى خارج الحدود، اذ أقلعت قبل أيام من إحدى قواعده بضع مروحيات عسكرية مزوّدة بخزانات كبيرة من الوقود، متّجهة إلى مصر في رحلة دامت نحو 3 ساعات، حيث عمدت الى إجلاء ضابط و15 جندياً لبنانيّاً من هناك، كانوا يشاركون في دورة عسكرية جرى تعليقها عقب وصول كورورنا إلى بلاد الفراعنة.