ها هي الكنائس خالية من المؤمنين، والاحتفالات الليتورجيّة يغيب عنها العلمانيّون. ها هم الكهنة يقدّمون الذبيحة على المذبح منفردين. وقداسة الحبر الأعظمالبابا فرنسيسقد منح البركة من المدينة إلى المدن وساحة القديس بطرس تغص بالإفتراضيين. لكن السؤال: أين هو الله،أين المسيح في زمن الكورونا؟ هل هو في حالة غياب، فلا يستيقظ من صراخ العابدين الحقيقيّين، حتى لو كانوا قلّة على أرضنا!.
لطالما شهدت الكنيسة في زمن الصومخصوبة الإيمان والعودة. هذا الزمن الذي غيّر نظرة الإنسان ومفهومه إلى الله وإلى نفسه،بعدما كان يقدّم لله المتعالي التضحيات والذبائح لنيل الرضى.
كشف المسيح،في ملء الزمن، عن وجه الله الذي يبحث عن الإنسان ويسترضيه ويلتقيه إدراكًا منه أنّ باللقاء تتمّ التوبة والعودة. فالله مع المسيح لم يعد ينتظر التسبيح والتمجيد،فتحطمت حواجز الإنسان من العبوربتكسير جسدهالسريّ ليرفعنا.
ولكن أين المسيح اليوم في زمن الكورونا؟.
كلّنا ننتظر منه معجزة تفوق الإدراك، وكلّ يوم يزيد انتظارنا يأسًا!.
العالم في حالة عجز، وكأنه ما عرف الله ولا كتبه ولا آياته. فلم نكتسب من علاقتنا به شيئًا.
في زمنالتجسد،زاد المسيح الدم البريء على الأرض بمقتل اطفال بيت لحم، وفي مسيرته لم ينهِ الإحتلال الروماني… ولم يقضِ على غطرسات الكبرياء والطمع والشهوات، على الرغم من أنّه اجترح العجائب.لم يأتِ المسيح ليغيّر وجه الأرض، بل ليغيّر قلب الإنسان ويعطي معنى خلاصيًّا لكل شيء. أتى ليقول للإنسان لا مرض لا ضعف لا غنى لا فقر ولا لأيّشيء كلمة فصل، إلّاللإيمان وحده. وهذا ما أكّده بدستوره الجديد وخطابه القسم في بداية مسيرته، بما يعرف بخطبة الجبل، بالتطوبات الإلهية، ليزيد الإنسان إنسانيّة. وقد وقّع خطابه بدمه البريء المهرق على طريق الجلجثة وعلى أقدام الصليب.
فلنقلب السؤال إذًا ونقول: أين نحن اليوم في زمن الكورونا؟.
أين كلّ الصلوات والتقشّفات التي قمنا بها؟ هل كانت حقيقيّة نابعة من القلب، أم أنها كانت عوائد وفروض وواجبات اجتماعية فارغة؟ ماذا تعلّمنا من الصليب، ومن الإيمان الحقيقي العميق؟ أليست حياة الإنسان بطولها وقصرها كيوم أمس عابر؟ومهما اختلفت طرائق الموت، تبقى الحياة مع الله وفيه هي الأهم.
لنتذكّر يسوع في بستان الزيتون، ينفصل عن تلاميذه ويحجر كيانه ليلتقي وجها لوجه مع الآب قبل اتمام المشيئة. ليس لنا أن نسأل الله أين أنت في زمن الكورونا، بل علينا أن نسأل انفسنا: أين نحن منك يا الله؟
وفي زمن الكورونا سقطت الضمانات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وحتى الصحيّةكلّها. فطوبى لمن يعود إلى جوهر الحياة والإيمان، ويقبل بواقع الحياة، لأن الله لا يتكلّم في الفراغ، إنّما في أحداث الزمان.
ها إن المسيح يقول لنا اليوم: لا اريد ذبيحة فارغة من معاني الحب والرحمة وقبول الخلاص، إنّما اريد قلبًا ينبض بالحب والرحمة والسلام. ولم يقل المسيح لنا إن ملكوت الله في داخلكم؟ وأكّد للمرأة السامرية:"يحين وقت يعبد الناس فيه الآب لا في هذا الجبل ولا في اورشليم… ولكن تجيء ساعة بل جاءت الآن، يعبد فيها العابدون الصادقون الآب بالرّوح والحقّ. هؤلاء هم العابدون الذين يريدهم الآب. الله روح وبالروح والحق يجب على العابدين أن يعبدوه"(يوحنّا 4: 21-24).
ومع الكورونا لا ينتفي فينا الرجاء! إذ نعيش الأسرار المقدسة بالشوق والروح، ولنسأل ذواتنا أين نحن منك يا الله؟ ونطلب منك أنتغفر لكلّ من يسأل: أين الله في زمن الكورونا؟.