وفي تلك الليلة الحالكة من عام ٢٠٠٠ أضاءت أمي شمعة في فناء الدار وسألتني وكأنها في لحظة وداع: "هل نحن على مقربة من نهاية العالم وهل سوف تصدق مقولة: تؤلِّف ولا تؤلِّفان".فكان جوابي واضحا وجازما:"نامي يا أمي وعين الله ترعاكي".هذه ليست علامات الأزمنة.وفعلا انتهى كابوس الـ٢٠٠٠ وما كان يُعرف بالـ bug 2000مرَّ على سلام ودون أضرار تُذكر.
وتأتي الكورونا اليوم لترفَعَ منسوبَ الخوف والهلع والمجهول الآتي والأفق المسدود حيال ما يمكن أن تخبئ لنا الأيام وما يمكن أن يكون مصير البشرية برمتها.بعض منا يسأل في لحظة تأمل وترقب:هل هي حرب بكتريولوجية جرثومية بين ديوك الساحة العالميّة لهدم الكوة بين جبابرة عالم الاقتصاد ومعسكر الشيوعية والاقتصاد الليبرالي الحر؟هل فعلا هو مشروع تدميري يمتدّ من الصين ويطال ما يسمى بـ"طريق الحرير" Via della Seta؟هل خالفت ايطاليا تعاليم السماء لكي تعيش اهم مرحلة من درب الصليب Via Crucis؟كلا هي ليست علامات الأزمنة ولا غضب السماء يصب حِمَمَهُ علينا.هي اشارة علوية تدعونا للانتباه والتبصّر والعودة إلى الجذور والاصول الانسانية الاجتماعية، بعد أن عثنا فساداً وغروراً وعنجهيةً وبعداً عن صحيح الدين وعن الصراط المستقيم.ما عجزت عنه الترسانات العسكرية والحروب العبثية في بث روح الخوف والرعب لِثَني الانسان عن قتل أخيه الإنسان،حقّقتهُ "الكورونا" من دون جهد اضافي ملحوظ.ربما هي ارادة الهية وريحٌ عاتية تهبّ من وقت لآخر، كما هبّت في سنة ١٩١٨ مع الانفلوانزا الاسبانية كي يعود الناس الى رشدهم وضميرهم وغناهم الروحي والشهادة لانسانيتهم في خضم الرأسمالية وتوحشها.المشهد مرعبٌ والصورة قاتمةٌ واعداد المتوفين في تصاعد مضطرد.كيف نعود جميعا الى عالمنا الاجتماعي اليومي بعد "الكورونا"؟هل هناك من تموضع عالميّ جديدٍ وما بعد "الكورونا" ليس كما قبل "الكورونا"؟الواضح ان نسبة الوطنية ارتفعت والعودة الى الاعتماد على الذات البشرية لكل امّة في وتيرة تصاعدية واضحة.جدران من العداوة والحَرَدِ الدولي من دولة الى اخرى سوف تغير معالم اقتصادية وتُفَرمِلُ أحلافا تاريخية.ومهما تعثرت شعوب وتقهقرت أممٌ وضاقت سبلُ العيشِ بنا،يبقى "الكورونا" ضعيفا وهزيلا امام قدرة الله وجبروته ورحمته التي تؤنّبُ وتهذِّبُ على طريقتها.الرحمة من عند ابينا صانع الكون ومحيي الأموات.