في التاريخ القديم وُصولاً إلى مطلع القرن الماضي، العديد من الأمثلة عن وفاة ملايين الأشخاص في العالم بسبب إنتشار الأوبئة، لكن أن يموت أكثر من مئة ألف شخص، والرقم في تصاعد مُستمرّ، بسبب إنتشار وباء عالمي في العام 2020، فهذه مأساة كُبرى. والأخطر من الوفيّات-على ما تحمله من أحزان في قُلوب أهالي الضحايا ومعارفهم، التدهور الإقتصادي الكارثي الذي أصاب مُختلف دُول العالم، ما تسبّب بفُقدان ملايين الأشخاص لوظائفهم، والحبل على الجرّار، مع ما يَعنيه هذا الأمر من تهديد خطير للقمة عيش الناس في العالم أجمع! فمتى سينتهي هذا الكابوس، وما هي السيناريوهات لذلك، وهل من موعد مُرتقب للقضاء على وباء كورونا؟.
بحسب أحدث الدراسات الغربيّة، والتقييمات الطبّية، والتحاليل المُتخصّصة، إنّ وباء كورونا الذي يُواصل إنتشاره في العالم، بشكل سريع، لجهة تسجيل زيادة يوميّة تتراوح ما بين ستّين وثمانين ألف إصابة جديدة، وبشكل خبيث أيضًا، لجهة إنتقال العدوى بين الناس من دون تسجيل عوارض ظاهرة في كثير من الأحيان، لا يُمكن أن ينتهي إلإ بواحد من السيناريوهات الأربعة التالية، بعد فشل رهان بعض الدول على ما يُعرف بإسم "مناعة القطيع" (Herd immunity)، أي على حُصول أيّ مُجتمع على مناعة جَماعية ضُد الوباء، بعد إصابة الجزء الأكبر من الناس به(1). والسيناريوهات المُرجّحة، هي:
أوّلاً: السيناريو الأوّل يقضي بأن تقوم كل دول العالم بإغلاق حُدودها بشكل كامل، لفترة زمنيّة مُحدّدة، بالتزامن مع فرض حظر كامل للتنقّل داخل كلّ منها، لتتبّع الحالات المُصابة وعزلها، وبالتالي للقضاء تدريجًا على إنتشار الوباء في ربوع كل دولة في وقت مُتزامن. لكنّ هذا السيناريو غير مَضمون النتائج، بسبب رفض بعض الدول التعاون مع غيرها لمُواجهة الوباء، وكذلك بسبب ضُعف الأجهزة الطبّية والإستشفائيّة في بعض الدول الأخرى، من دون أن ننسى أنّ كورونا تفشّى بشكل واسع جدًا في الكثير من الدول، بحيث صار من الصعب جدًا السيطرة عليه خلال وقت قصير. إشارة مثلاً إلى أنّ دولة نيوزيلاندا تُطبّق نسخة مُصغّرة لهذا السيناريو، حيث أنّها أغلقت حُدودها بشكل تام، وفرضت حظرًا كاملاً للتجوال، وهي تقوم بإختبارات مُتنقّلة لتحديد المُصابين ولعزلهم، أيّ أّنها تُطبّق سياسة هُجوميّة للقضاء على الوباء، بدلاً من سياسة دفاعيّة تقضي بإحتواء إنتشاره، والنتائج المُحقّقة لديها جيّدة جدًا.
ثانيًا: السيناريو الثاني يقضي بقيام الدول المَعنيّة بوباء كورونا، بإعتماد سياسة إغلاق مُتبدّلة، بمعنى أن يتمّ التشدّد لبعض الوقت لمنع تكاثر الإصابات وللحفاظ على قُدرة الأجهزة الطبّية والإستشفائيّة على التعامل بفعالية مع المُصابين، ثمّ التراخي لفترة زمنيّة مُحدّدة للسماح للناس بالعمل وكسب الأموال الضروريّة لتمويل مصاريفهم. والهدف من هذا الإجراء تأخير إنتشار الوباء قدر المُستطاع، بالتزامن مع تمكين الناس من الصُمود معيشيًا، وذلك في إنتظار تمكّن المُختبرات العالميّة من إيجاد اللقاح الضروري(2)، مع تعويل على أنّ إرتفاع حرارة الجوّ قريبًا يُمكن أن يُساعد في إبطاء إنتقال العدوى. لكنّ هذا السيناريو لا يُعالج مُشكلة كورونا بحدّ عينها، بل يُمكّن بعض الدول من التأقلم معها، علمًا أنّ المخاطر كثيرة، حيث يُمكن أن تتسبّب فترات التراخي في إجراءات الحجر الصحّي، في تفشّي الوباء بشكل كبير وغير مُضبوط. كما أنّ الكثير من الأشخاص لن يتمكّنوا من مُزاولة أيّ أعمال، في ظلّ إستمرار حال عدم الإستقرار في الدورة الإقتصاديّة المحلّية والعالميّة، وإستمرار حال القلق الشديد لدى الناس.
ثالثًا: السيناريو الثالث الذي تُطبّقه بعض الدول، على غرار كوريا الجنوبيّة مثلاً، يقضي بتتبّع كل إصابة جديدة بوباء كورونا بشكل دقيق، مع فرض حظر صحّي على كلّ المُخالطين لهذه الحالة لمدّة ثلاثة أسابيع، بالتزامن مع تكثيف إختبارات كشف الوباء في مناطق سكن الحالات المُشبوهة، في مُحاولة لإكتشافها قبل نقل العدوى لأشخاص آخرين. وقد وظّفت السُلطات في كوريا الجنوبيّة عشرات آلاف المُتطوّعين لإجراء هذه الإختبارات بشكل واسع، ولمُراقبة مدى التقيّد بالحجر الصحّي. وترافق ذلك، مع فرض إجراءات تباعد إجتماعي قاسية بين الناس.
رابعًا: السيناريو الرابع يقضي بمُعالجة نتائج وباء Covid-19 بدلاً من التركيز على حصر إنتشاره. بمعنى آخر أن يتمّ التركيز على منع تدهور الوضع الصُحّي للمُصابين بكورونا من البداية، من خلال تكثيف مُعالجتهم قبل الوُصول إلى مرحلة الدُخول إلى المُستشفى، ثم بعد ذلك. لكنّ هذا السيناريو مُستحيل من دون الوُصول إلى دواء فعّال، قادر على الحدّ من عوارض كورونا عبر تقوية جهاز المناعة لدى كل إنسان، حتى من لديه مشاكل صحّية مُزمنة. وهذا السيناريو صعب التنفيذ أيضًا في الدول الفقيرة، والتي لا تتمتّع بقُدرات ماليّة عالية، ولا بقُدرات طبّية متطوّرة. في المُقابل، أثبتت بعض الدول التي تتمتّع بنظام طبّي مُتطوّر، قدرتها على تخفيض عدد الوفيّات نسبة إلى عدد المُصابين، كما هي الحال في ألمانيا مثلاً، الأمر الذي يُمكن البناء عليه في المُستقبل لمنع الوفيّات بشكل نهائي بعد تطوير الأدوية المناسبة.
غياب الحلّ السحري...
بكل بساطة، لا يُوجد حلّ سحري لوباء كورونا-أقلّه حتى اليوم، ما يعني أنّ الأشهر المُقبلة ستكون صعبة في لبنان والعالم أجمع، حيث لا يُوجد تاريخ مُحدّد وواضح، لإنتهاء هذا الكابوس، بل مُجرّد آمال واعدة مُترافقة مع جُهود جبّارة للتأقلم مع تداعيات الوباء وارتداداته. والأكيد أنّ مُختلف الدول ستسعى إلى المُوازنة ما بين قُدراتها الطبّيةوالإستشفائيّة من جهة، وإقتصادها ومعيشة سُكّانها من جهة أخرى. وكلّما كانت الدولة المَعنيّة قويّة ماليًا، كلّما كانت قادرة على التخفيف من وطأة الأزمة المُستجدّة، والعكس صحيح! وكلّما كان الشعب المَعني مرتاحًا ماليًا، كلّما كان قادرًا من جهته على الصُمود لفترة أطول، والعكس صحيح أيضًا! وهذه الوقائع لا تُبشّر بالخير بالنسبة إلى الدولة اللبنانيّة والشعب اللبناني ككلّ.
لكن في الختام، لا بُد من التمسّك بالأمل، والحفاظ على رباطة الجأش، فالإحصاءات الثابتة تؤكّد أنّ 5 % فقط من الأشخاص الذين يُصابون بوباء كورونا يُضطرّون إلى الإستحواذ على علاج إستشفائي، غير الحجر الصحّي. ومن بين هؤلاء المُصابين غير المَحظوظين الذين يدخلون إلى المُستشفى، 30 % فقط يُنقلون إلى وحدة العناية المُركّزة. ولا بُدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّه وفي حين من غير المُتوقّع أن يتم إنتاج لقاح فعّال ضُدّ وباء كورونا في فترة زمنيّة قصيرة، وأن يتمّ توفيره بكميّات هائلة تكفي سُكّان العالم كلّه، فإنّ الجُهود مُنصبّة حاليًا على إيجاد دواء فعّال قادر على هزيمة كورونا، بحيث لا يعود المُصاب بهذا الوباء يخشى على حياته، حتى لوّ كانت مناعته ضعيفة أو كان يُعاني من أمراض سابقة ومُزمنة، وعندها يُمكن وقف العزل الجَماعي، والعودة إلى مُمارسة الحياة اليوميّة بشكل شبه طبيعي، ولوّ في ظلّ قُيود تباعد مُتشدّدة، وإجراءات تعقيم في مُختلف الأماكن.
(1) تبيّن أنّ عدد الوفيّات سيكون مُرتفعًا جدًا، وأنّ الوقت المَطلوب لتوليد المناعة الجَماعية سيتجاوز الوقت المَطلوب لإيجاد لقاح.
(2) من غير المُتوقّع أن يتوفّر أيّ لقاح فعّال قبل ما بين 12 إلى 18 شهرًا من الإختبارات والتجارب، من تاريخ ظُهور وباء كورونا!