بعد نجاحها في مواجهة خطر إنتشار وباء “كورونا”، الذي لم يكن في الحسبان، كذلك فإن خطة مواجهته لم تكن مدرجة في برنامج حكومة الرئيس حسان دياب، رغم ذلك، فقد حققت نجاحاً لافتاً في التصدي لوباء العصر، ووفقاً لمعاييرٍ معتمدة دولياً، فاقت التوقعات. والأهم راهناً، هو أنها بدأت تحط يدها على الجرج، في شكلٍ جديٍ. ويبدو أنها إنطلقت نحو “الجهاد الأكبر”، المتمثل بمعالجة الوضع الإقتصادي، وهو البرنامج الأبرز، وقد يكون الأوحد، لهذه الحكومة، ينبغي عليها تحقيقه، كونها قبلت التحدي الصعب. وتعهد رئيسها، بالوصول الى خطة إنقاذٍ إقتصاديةٍ خلال مهلة 100 يوم، من نيل حكومته، ثقة المجلس النيابي. فقد باتت على المحك. لذا، بدأت تظهر بشائر الخطة المرجوة.
ومن أبرز دعائم هذه الخطة، هو إقتطاع، مبالغ مالية، من حسابات أصحاب الثروات، الذين حققوا جلّها، من جيوب الناس، خصوصاً مالكي الشركات التجارية والمالية الكبرى، من السياسيين، وأتباعهم المحظيين. الأمر الذي إستفز، الثنائي الرئيس سعد الحريري، والنائب السابق وليد جنبلاط، فإنبريا للجهوم على رئيس الحكومة، وخطته، مباشرة، فور بداية ظهور بشائرها. فرأى الأول أن ” أنها تتجه إلى خطة انتحار اقتصادي، مبنية على مصادرة أموال اللبنانيين المودعة في المصارف”.
أما الثاني، فذهب ابعد من ذلك، وحاول أن يعطي الخطة المذكورة، صبغةً طائفية مذهبية، معتبراً أنها محاولة تطويع طائفي ومذهبي للإطاحة بالطائف والسيطرة المطلقة على مقدرات البلد، لضرب ما تبقى من سيادة أصلا وهمية وشكلية”. هذا ما ينذر ببدء أول معركة حقيقية ضد المنظومة المالية المتحكمة برقاب الناس وأموالهم. على أمل أن تؤدي الى “سحب البساط من تحت أقدام هذه المنظومة ورعاتها، شرط ألا ترجع الحكومة أي خطوة الى الوراء، في هذا المجال، ولو كان لذلك، بعض التداعيات السلبية الطفيفة على التضامن الوزاري”، على حد قول مصادر سياسية قريبة من فريق المقاومة.
وعن طرح التفاوض بين لبنان والبنك الدولي في سبيل إنقاذ البلد من الإنهيار المالي، تقول المصادر: “صرنا على المحك، ولا بد من التفاوض مع هذا البنك، شرط ألا يعكس أي تعاملٍ جديدٍ معه، وصاية دولية على لبنان، فالمعتاد، هو أن الوصاية المالية، تعكس وصاية سياسية”.
وتؤكد المصادر أن هذه المعركة صعبة، وهي الأكثر جدية، ولكنها مفصلية، بالنسبة للحكومة، معتبرةً أن الأولوية، هي مواجهة إنهيار الوضع المالي، الذي يتهدد بإنفجار إجتماعي خطير، إذا لم يتم تدارك الأمور، وفي مقدمها تعاون حاكم مصرف لبنان، مع الحكومة، بالتالي، كشف الأرقام والحسابات الحقيقة التي في حوزته، أي تقديم قاعدة بيانات واضحة للمعنيين، من أجل البناء عليها، في أي مقاربة ستطرح للخروج من هذا النفق المظلم، وفق تعبير المصادر.
وفي السياق، يعتبر مرجع سياسي طرابلسي، أن حكومة دياب، نجحت الى حدٍ مقبولٍ في إدارة الأزمة، من دون يكون لها، تأثير جدي في التوازنات السياسية في البلد، على حد تعبيره.
ويؤكد أفول نجم تيار المستقبل على الساحة السنية، خصوصاً الشمالية، وصعود نجم “الأمن السياسي”، موضحاً أن هذه المرحلة، أشبه بمرحلة تعاظم دور الأجهزة الأمنية والعسكرية، إبان حقبة الوصاية السورية على لبنان مابين العام 1992 و 2005، ولكن مع فارق وحيد في المرحلة الراهنة، هو تغيير الإدارة، من دون أن يدخل هذا المرجع في التفاصيل. ويجزم أن مرحلة ما بعد الإنتهاء من “كورونا”، ليس كما قبلها، خصوصاً على صعيد الأوضاع السياسية في المنطقة والعالم بأسره، وإنعكاسها على لبنان، الذي أثبت عبر التاريخ، أنه يتاثر بما يحدث في محيطه.
ويلفت المرجع الى أن التوازن السياسي القائم في لبنان اليوم، مرتكز على الدور الأميركي المباشر من جهة، وحزب الله وحلفائه من جهة أخرى. وما يؤكد التدخل الأميركي المباشر في الشؤون الداخلية اللبنانية، هو سحب التفويض من فريق الحريري وحلفائه، و دخول السفارة الأميركية، على خط التعيينات المالية، وقبلها حماية المتظاهرين على سبيل المثال، لا الحصر.
ويعتبر المرجع أن الملف اللبناني، حتماً سيكون حاضراً في تسوية لإنهاء الصراع في المنطقة. خصوصاً أن لحزب الله، دور إقليمي، لا يمكن لأي عاقلٍ نكرانه، ولا لأي من القوى المؤثرة في المنطقة تجاهل دورالحزب وحضوره الفاعل.
لقد بات اللاعبون الأساسيون في التوازن اللبناني، حزب الله وحلفائه من جهة، والأميركي والمؤسسات التي تدور في فلكه من جهة أخرى. أما بالنسبة للحريرية السياسية، قهي لا تحظى بموقع متقدم في “لعبة التوازن الداخلي”.
وفي شأن دور حلفاء المقاومة، يؤكد أن المطلوب من حلفاء حزب الله، إستعادة الثقة لدى قواعدهم الشعبية، لتعزيز حضورهم في أي تسوية مرتقبة .. ولا خشية على دور الحزب.