الإنتخابات الأميركية على الأبواب، ولكنها جميعها مقفلة في وجهها. كيف يستطيع الأميركي ان يفكر من سيكون رئيسه للسنوات الأربع المقبلة، وهو يعيش خائفاً خلف الابواب. كان من المفترض ان يشهد الربيع الجاري سلسلة ​انتخابات​ تمهيدية تهيئ للإنتخابات النهائية في تشرين الثاني المقبل. ولكن ما يحصل هو ان ​السلطات الأميركية​ قامت بتأجيلها الى أواخر شهر حزيران، هذا إذا سمحت "السيدة كورونا"، وارتحلت الى غير رجعة. كما وان معظم الإنتخابات الإدارية في ​اميركا​ تمّ تأجيلها لعدم اكتمال أحياناً خمسة في المئة من أعضاء فريقها.

التأجيل سيد الموقف في زمن ​الكورونا​، حتى ​الأمم المتحدة​ تدرس اليوم كيفية إجراء انعقاد جمعيتها العامة في أيلول المقبل، واستقبال الوفود الرئاسية في ظل هذه الجائحة وتداعياتها. وقد علمت "النشرة"بوجود كلام عن تأجيل للجمعية العامة إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ولكن المعنيين يرون انهم لا يستطيعون تأجيلها الى أبعد من نهاية العام 2020، حيث كان من المخطط ان تحتفل المنظمة بيوبيلها الماسي، اي 75 عاماً على تأسيسها.

هذا وقد ألغت الأمم المتحدة معظم دوراتها السنوية، كإجتماعات لجنة وضع ​المرأة​ في آذار الفائت، و​مؤتمر​ الشعوب الأصلية في نيسان الجاري وغيرهما، ولكن المقبل من الأيام سوف يُظهر موعد وكيفية انعقاد ​الجمعية العامة للأمم المتحدة​.

في الإنتخابات الأميركية يختلف المشهد، إذ لا بد ان تحصل في موعدها. ان انسحاب ​بيرني ساندرز​ من ​السباق الرئاسي​ مهّد الطريق امام الرئيس الأميركي الحالي ​دونالد ترامب​ لأربع سنوات مقبلة، وهو بدوره مرتاح للإنتخابات المقبلة بحسب فريقه، على الرغم من فتك وباء كورونا لأبناء شعبه. وهو على عكس ما تظهر بعض وسائل الإعلام، يتابع بدقة موصوفة ​حالات​ المدن الأميركيّة في مواجهة الوباء، هو لا ينام، وقد وضع أسلاكاً شائكة في الدبلوماسيّة مع أقرب أصدقائه، مثل كندا و​فرنسا​ و​بريطانيا​، للفوز بكمّامة، تحت شعار: شعبي أولاً.

ولكن كيف ستتم الإنتخابات الأميركية إذا لم تحصل التمهيديّة بسبب الحجر. سيناريوهات كثيرة تُدرس في الأروقة السياسية. إقترح البعض إجراءها عبر التصويت الإلكتروني، لكن المعنيين أكدوا انها فكرة يصعب إنجازها لسبب ان معظم الأميركيين الذين هم من كبار السنّ يجهلون استخدام ​الإنترنت​، فكيف سيُحرم عجائز البلد من حق التصويت. سيناريو آخر تحدث عن التأجيل، لكن ​الدستور الأميركي​ لا يسمح بها مهما كانت الظروف.

في هذا الجو الضبابي، تعود الذاكرة بالأميركيين الى زمن الحرب العالميّة الثانية. فبعدما كانت محايدة، دخلت القارة ​الجديدة​ الحرب الى جانب الحلفاء في عهد الرئيس ​فرانكلين روزفلت​، وكان موعد الإنتخابات الرئاسية عام 1940، حين كانت مدافع الحرب تدوّي في ​اوروبا​، فما كان هنالك من سبيل لإجراء انتخابات عادية، يصوّت فيها الأميركيون في صناديق الإقتراع، فتمّت في ​الكونغرس الأميركي​، بين المرشحين الجمهوري ألف لاندون والديمقراطي فرانكلين روزفلت، الذي اكتسح اصوات البرلمانيين بعدما عمل في السنوات الأربع الأوائل على إعادة مستوى ​الإقتصاد​ وأنقذت إدارته الأميركيين من أنظمة الملكيّة الخاصة والمشاريع الحرة من الدمار التي أحدثتها إدارة هربرت كلارك هوفر.

ويتساءل الكثيرون، كيف ستُجرى الإنتخابات في جو الوباء المتفشّي. ففضلاً عن التعثر في إجراء تلك التمهيدية في وقتها، هل ستقبل ​الإدارة الأميركية​ تعريض الناس للخطر من خلال تجميعهم في ​مراكز الاقتراع​؟ معضلة جديدة لا تُفكّ الا إذا انتهى كابوس وباء كورونا، وعاد الناس الى اشغالهم، وعادت ثقة الناس الى ​الحياة​ بشكل طبيعي، وهذا صعب جداً حتى بلوغ الصيف.

أمر آخر يشغل الإدارة الأميركية، هو خوفهم على جنودهم وأفراد ​الأمن​ والشرطة من الوباء الغامض، والذي فتك بأسطولهم البحري والحاملة روزفلت. فكيف ستستطيع اميركا إجراء الإنتخابات وجنودها في الحجر، وتحت المراقبة الصحية. هل كانت تظن الولايات المتّحدة التي خاضت بالأمس القريب، منفردة معارك شرق أوسطية، وإقتصاديّة ممنهجة، انها ستعيش اليوم الذي ترتجف فيه من جرثومة غير مريّة، وترى أبنيتها الشاهقة في ​نيويورك​ تفرغ من إدارييها، وشوارعها الهاربة من الموت في مدينة لا يليق بها الخوف.

ويبقى السؤال، هل يقترع الأميركيون بأصواتهم في تشرين الثاني المقبل، ام أن الكونغرس سيتولى المهمة كما حصل عام 1940؟ الجواب لدى السيدة "كورونا".