يُواجِه العالم فيروس "كورونا"، الذي فرض شروطه وقيوده على سكان المعمورة، حجراً ومنعاً للتجوّل غير آبه بجنسية أو لون أو عرق، أو طائفة ومنطقة، ومن دون تفرقة بين حاكم ومسؤول أو خفير، وغني وفقير، والعالم يئن من حجر أيام معدودات.
فيما الشعب الفلسطيني يُواجِه فيروس "كورونا" وفيروسات الاحتلال الإسرائيلي والعقول المُفخّخة منذ سنوات عدّة!
في مُواجهة فيروس "كورونا" استطاع الشعب الفلسطيني أنْ يتصدّى له، ويُحقّق بشهادة "مُنظّمة الصحة العالمية"، أنّ دولة فلسطين - على الرغم من وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي - هي من أقل دول العالم بعدد المُصابين.
وفي مُواجهة الاحتلال الإسرائيلي المُتواصِل منذ عقود من الزمن، وبأشكاله المُتعدّدة، ضد البشر والحجر والشجر، اعتداءً ومجازر وسرقة وقرصنة واستيطاناً، أسراً وإبعاداً، ما زال الشعب الفلسطيني يُقدّم التضحيات، التي لا طاقة لشعب على تحمّلها في العالم، وهو يُواصل نضاله من أجل تحقيق الحرية والاستقلال والعودة.
ومن أجل ذلك، قُدِّمَتْ الدماء الغالية من فلسطينيين ولبنانيين وعرباً وأُمميين آمنوا بعدالة القضية.
ولأنّنا في شهر نيسان/إبريل، فقط لو استعرضنا أسماء شهداء مُناضلين، لوجدنا القافلة تطول من عبد القادر الحسيني (8 نيسان/إبريل) 1948، مروراً بالشهيد خليل عز الدين الجمل (أوّل شهيد لبناني في صفوف الثورة الفلسطينية، 10 نيسان/إبريل 1968)، وأمير الشهداء أبو جهاد الوزير (16 نيسان/إبريل 1988) والدكتور عبد العزيز الرنتيسي (17 نيسان/إبريل 2004)، وشهداء سقطوا في مجزرة دير ياسين (9 نيسان/إبريل 1948) ومجزرة قانا (18 نيسان/إبريل 1996)، مجازر ارتُكِبَتْ بدمغة المُحتل الإسرائيلي.
وكذلك "يوم الأسير الفلسطيني"، وما زال هناك آلاف الأسرى في سجون الاحتلال، في جرائم ضد الإنسانية، المُتمادية التي يرتكبها الاحتلال بحجز حريّتهم، وتهديد حياتهم، وهم يواجهون ظروفاً صحية صعبة وقاسية، تزداد خطورتها مع تفشّي فيروس "كورونا".
أيضاً في نيسان/إبريل، كان اغتيال الشهداء القادة كمال ناصر، كمال عدوان ومحمّد النجار "أبو يوسف" بعملية "كوماندوس" إسرائيلية في فردان وسط العاصمة اللبنانية - بيروت (10 نيسان/إبريل 1973).
على الرغم من كل التضحيات، استطاع الرئيس ياسر عرفات أنْ يدخل إلى الأُمم المُتّحدة (13 تشرين الثاني/نوفمبر 1974) ليكون أوّل قائد ثورة يقف على أعلى منبر دولي، وينتزع اعترافاً دولياً بعضوية "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" - بصفة مراقب - المُمثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
تحقيق الانتصار التاريخي، رُغماً عن الإرادة الأميركية، كان الرد عليه - باعتراف مسؤولين في تلك المرحلة - بتدفيع "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" ثمن ذلك.
اغتيل الشهيد معروف سعد في صيدا (26 شباط/فبراير 1975)، المُجاهِد من أجل فلسطين، وفوّت المُخلصون الفرصة على المتآمرين، فكانت بوسطة عين الرمانة (13 نيسان/إبريل 1975) التي تعرّضت لإطلاق نار، لم يُطلِقه من كان بداخلها، وكانت شرارة الحرب الأهلية، التي استمرّت 15 عاماً، مُخلّفة آلاف الضحايا والجرحى والمُعوّقين والمخفيين قسراً ودماراً رهيباً - وكان الحرمان الذي شعر به قسم من اللبنانيين عاملاً رئيسياً لها.
وهنا لو استعرضنا المواقف الأولى التي أُعلِنَتْ بعد تلك الحادثة الأليمة، لوجدنا أنّ "أبو عمّار" ناشد الملوك والرؤساء العرب التدخّل العاجل لوأد الفتنة، لأنّه كان يُدرك أنّ الهدف هو تنفيذ "سيناريو" إخراج "مُنظّمة التحرير" من لبنان.
وفي الطرف الأخر، كان رئيس حزب "الكتائب" الوزير بيار الجميّل يُوجّه اتهاماً مُباشراً إلى "إسرائيل بافتعال الحادث".
هذا يُؤكد أنّ هذه الحرب العبثية، التي دفع ضريبتها اللبنانيون والفلسطينيون، كان هناك مَنْ يستفيد منها ويعمل على تغذية نعراتها، وهو الاحتلال الإسرائيلي.
اليوم كم هو المشهد شبيه بما جرى في العام 1975، الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُعلِن "صفقة القرن" (28 كانون الثاني/يناير 2020)، بعدما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفضها قبل الإعلان عنها، نظراً إلى مخاطرها التي لا تستهدف القضية الفلسطينية وشعبها فحسب، بل تطال لبنان والعالم العربي، وحسناً أعلن لبنان رفضها.
ونُدرِك أنّ الرفض الفلسطيني واللبناني، سيكون له تدفيع ثمن، من قِبل الإدارة الأميركية والكيان الإسرائيلي، وهو بحاجة إلى وقود من فتن وإثارة نعرات.
لذلك، كم نحن بحاجة إلى مُواجهة الفيروسات في العقول المُفخّخة، سواء أكانت تدري ما تفعله أم لا، خصوصاً عندما تُستخدَم "الكوفية" الفلسطينية، "كوفية" الشهيد الرمز "أبو عمّار"، التي يعرف معناها الأحرار ويتسابقون مُفتخرين لارتدائها.
تلك "الكوفية" التي حضرت في قدّاس الميلاد في كنيسة المهد في بيت لحم ليل 24-25 كانون الأوّل/ديسمبر 2001، عندما كان الاحتلال الإسرائيلي يحاصر الرئيس "أبو عمّار" في مقر المُقاطعة في رام الله، ومنعه من حضوره القدّاس.
مع أعياد الفصح، يُواصِل الفلسطيني دفاعه عن كنيسة القيامة وكنيسة المهد، كما المسجد الأقصى المُبارك، والسير على ذات طريق الجلجلة، منذ الاضطهاد الأوّل الذي تعرّض له الفدائي الأوّل السيّد المسيح (ع)، وما زالوا يشعرون بآلامه التي تتكرّر على أيدي المُحتل الإسرائيلي وأدواته.
في التعاليم السماوية، هناك توبة وغفران، فماذا سيقول مَنْ ينفخ في بوق "الفتنة" للسيد المسيح (ع) عن ظلم شعبه مِراراً، وعدم نصرته، بل التحريض ضدّه؟!
التحيّة والشكر إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي بادر سريعاً للعمل على مُعالجة هذا الرسم الكاريكاتوري العنصري، إدراكاً لمخاطر ما يُمكِن أنْ يُحدِثه مثل هذا التحريض، والتواصل مع سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، والتأكيد على رفض ما يُؤدي إلى إثارة الفتن وتغذية النعرات، وهو ما قوبل بتقدير السفير دبور لدور اللواء إبراهيم وحرصه على القضية الفلسطينية، وجهده الدؤوب لتحسين وتوطيد العلاقات اللبنانية - الفلسطينية.
حمى الله الشعب الفلسطيني من الاحتلال والفيروسات ومُثيري الفتن، فالقضية ليست خاطرة عابرة بل "فيروس" بحاجة لمًعالجة!