كيف سنعود إلى حياتنا الطبيعيّة في لبنان والعالم؟ والأهم متى سيتمّ ذلك؟ وهل ستكون دورة الحياة الروتينيّة مُختلفة عمّا كانت عليه قبل إنتشار وباء كورونا؟ أسئلة عدّة تُقلق الناس جميعًا، فهل من إجابات شافية؟.
لا إجابات حاسمة ومُوحّدة للأسئلة المَذكورة أعلاه، إنّما إجابات أقرب إلى التكهّنات والتحليلات، وإجابات مُستقلّة وخاصة بكل دولة على حدة. يُذكر أنّ وصُول وباء كورونا إلى دول العالم، إختلف من حيث الحجم والإنتشار، مع تسجيل فارق زمني لبضعة أسابيعبين دولة وأخرى، الأمر الذي أسفر بدوره عن تباين في مواعيد الإغلاق والعزل، وبالتالي في المواعيد المُرتقبةلرفع إجراءات وتدابير الحماية التي إتخذت بطبيعة الحال. لكنّ الأكيد أنّ أحدًا لن ينتظر أن تتمكّن المُختبرات الطبّية المَعنيّة من إيجاد دواء مَكفول النتيجة ضُدّ وباء كورونا، أو التوصّل إلى لقاح مُضاد له، باعتبار أنّ الفترة الزمنيّة المَطلوبة لتحقيق ذلك طويلة. من هنا، بدأت مُختلف دول العالم، لا سيّما الصناعيّة منها، التفكير في كيفيّة رفع الإجراءات المُتّخذة لمُواجهة الفيروس، وبعضها ذهب بعيدًا إلى مُباشرة بعض هذه الإجراءات، على غرار فتح بعض المحال التجاريّة الصُغرى في النمسا مثلاً، وعلى غرار فتح دور الحضانة والمدارس الإبتدائيّة في الدانمارك مثلاً! وحدّدت العديد من الدول الأوروبيّة والغربيّة مواعيد زمنيّة قريبة، للمُباشرة في رفع إجراءات الإقفال والحجر المنزلي، تتراوح ما بين 20 نيسان الجاري وُصولاً إلى 11 أيّار المُقبل، لكن مع تطبيق معايير السلامة المُعتمدة حاليًا، لجهة التعقيم الدَوري، ومنع الإزدحام، والتباعد بين الزبائن، مع نصائح بضرورة إرتداء الكمّامات والقفّازات، إلخ.
والسبب الرئيس لقرارات رفع إجراءات الإقفال والعزل التي بدأت تُتخذ في العديد من الدول، هو إقتصادي بحت. فالدورة الإقتصاديّة تأثّرت بشكل كبير، والخسائر بلغت مليارات الدولارات في فترة زمنيّة قصيرة، ونسب البطالة بلغت أرقامًا قياسيّة. من هنا، إختار مسؤولو هذه الدول البدء بالعودة تدريجًا إلى الحياة الطبيعيّة، على الرغم من إستمرار إنتشار وباءكورونا في مُجتمعاتها، ومن إستمرار حصد عشرات آلاف الضحايا فيها، وذلك بهدف عدم إضافة كوارث إجتماعيّة وحياتيّة ومعيشيّة مُدمّرة، إلى الكارثة الوبائيّة الحاصلة حاليًا، خُصوصًا أن لا أفق واضح لقرب إنحسار هذا الوباء، على الرغم من الآمال المَعقودة في أكثر من إتجاه، بفعل إرتفاع الحرارة، وبسبب تقدّم المُعالجات، وحتى بنتيجة إزدياد المناعة الجَماعيّة بحكم إصابة الملايين من الناس به، إلخ.
لكن ومع الإتجاه إلى رفع الإجراءات المُشدّدة التي كانت قائمة في مُختلف دول العالم للسيطرة على وباء كورونا، وللحدّ من إنتشاره، برزت تحذيرات من أكثر من جهة طبّية، من مَغبّة التسرّع في رفع هذهالإجراءات.وأجمع الكثير من الخُبراء الغربيّين على ضرورة الأخذ جديًا بست نقاط رئيسة، قبل إتخاذ قرار رفع إجراءات الإقفال ومنع التجوال، إلخ. وهي:
أوّلاً: أن يكون إنتشار الوباء في البلد المَعني قد صار تحت السيطرة.
ثانيًا: أن تكون الأجهزة الطبيّة والصحّية والإستشفائيّة قادرة على كشف أيّ إصابات جديدة بوباء كورونا، وجاهزة لعزلها ولمُعالجتها.
ثالثًا: أن تكون الأجهزة المَعنيّة قادرة على تتبّع مصدر أي حالات جديدة، وعلى تأمين الحجر المنزلي لكل المُشتبه بإصاباتهم في إنتظار إجراء الفُحوصات الشاملة لهم.
رابعًا: أن تملك مُختلف المَعامل والمُؤسّسات والمحال وحتى المدارس والجامعات، إلخ. الإمكاناتلتطبيق إجراءات حماية إستباقيّة مُشدّدة، وكفيلة بتخفيف إحتمالات الإصابة لأدنى مُستوى.
خامسًا: أن يكون خطر إعادة إنتشار الوباء مُجدّدًا، قابلاً لحصره وللسيطرة عليه من جديد، من خلال جُهوزيّة كل الفرق والأجهزة المَعنيّة.
سادسًا: أن يكون أفراد المُجتمع قد أصبحوا على دراية تامة بعوارض الوباء، وبكيفيّة إنتقاله، وبإجراءات الوقاية الضروريّة، ولديهم النيّة بالإلتزام التام بالتوجيهات.
بالنسبة إلى لبنان فإنّ إجتماعات وإتصالات كثيفة قد بدأت في الساعات الماضية، وهي مُرشّحة للإستمرار في الأيّام القليلة المُقبلة، لدراسة سُبل العودة إلى حياة شبه طبيعيّة. وعُلم في هذا السياق، أنّ حجم الإصابات التي سيتمّ تسجيلها خلال الأسبوع المُقبل، سيُحدّد موعد رفع القُيود المفروضة، بحيث أنّ بقاء الزيادة في أعداد المُصابين ضُمن نسب معقولة، سيُشجّع على تسريع خيار رفع الإجراءات، والعكس صحيح بحيث أنّ أيّ إنتكاسة مُفاجئة في عدد الإصابات، ستُرغم الجميع على إعادة حساباتهم. والنيّة حاليًا، هي في البدء في رفع تدريجي للإجراءات، على غرار ما تفعله وستفعله العديد من دول العالم، بحيث ستعود الأعمال بشكل جزئي في مرحلة أولى، وفي مهن مُحدّدة، قبل أن تعود كل الأعمال إلى طبيعتها بشكل كلّي. والأولويّة ستكون للمحال الصُغرى على إختلاف أعمالها ومُنتجاتها، على أن يُعاد فتح المعامل والمصانع بشكل مُنظّم، ووفق تدابير حماية مُشدّدة. ولا قرار بعد بشأن المدارس والجامعات، لكنّ إعادة فتحها سيأتي في مرحلة متأخّرة نسبيًا، في حال سارت كلّ الأمور على خير. أمّا المطاعم والمؤسّسات السياحيّة فهي تأتي في مرتبة أخيرة، ويتمّ حاليًادرس الخيارات في هذا السياق، لجهة تخفيف قُدرات إستيعابها للزبائن إلى النصف، لتخفيف الإزدحام فيها عند فتحها، إلخ.
في الخُلاصة، العالم كلّه يتعامل مع وباء غير مَسبوق في تاريخنا الحديث، ولبنان لن يتصرّف كجزيرة مُنعزلة عن العالم، بل هو سيرافق عودة الحياة التدريجيّة في الخارج بإجراءات مُشابهة في الداخل. والأمل كبير أن يبقى إنتشار الوباء في ربوعنا تحت السيطرة، للتمكّن من العودة إلى حياة شبه طبيعيّة في المُستقبل غير البعيد. والأكيد أنّ أيّ إجراء متسرّع وغير مَدروس من قبل المسؤولين، وأيّ إستخفاف أو تصرّفات لا مسؤولة من قبل المواطنين، في المرحلة الراهنة، قد يُعيدنا إلى نقطة الصفر، وقد يُسقط الآمال المَعقودة لإعادة تشغيل دورة الحياة في رُبوعنا في القريب العاجل.