لفت راعي أبرشية قبرص المارونية المطران يوسف سويف في " رسالة القيامة " الى أن "العالم يحتاج أمس واليوم وغدًا إلى التجديد والتحول ليصبح أكثر إنسانية وهي ثمرة التلمذة"، مشيرا الى أننا "نبحث عن المسيح القائم في "كلامه الحي"، الإنجيل الذي نعرفه ولكن في الوقت عينه نجهله. فكيف نحمل "اسم المسيح" وليس لنا علاقة حميمة معه؟ نحن نفتخر بأن نسمى "مسيحيين" وحبذا أن يكون فخرنا كافتخار
الشهداء والقديسين"، معتبرا ان "البقاء في المنزل" هو مناسبة مميزة لتعميق إيماننا، لنصلي معاً كعائلة، لمراجعة الأولويات في حياتنا، ولاستجواب أنفسنا حول رسالتنا ومعنى وجودنا. سوف تشفى البشرية عندما تكون الأولوية مبنية في فكرنا وتصرفنا على "أن أكون" أكثر منها على "أن أملك"، بعبارة أخرى، أن نجعل الله مركزاً ومرجعاً لحياتنا لأنه مصدر الخلق ومعطي الحياة ومخلص الإنسان"، مضيفا: "فالموقف "أن نكون" يدفعنا إلى الاعتناء بذواتنا، وأحبائنا، لا سيما الضعفاء منهم والمجروحين والذين يعيشون في وحدة خانقة، بروح التضامن مع كل إنسان هذه هي الثمرة التي نجنيها من حصاد الوباء والأزمة إذ يتحول الشر والمأساة الى خير ورجاء".
وشدد على اننا "نبحث عن الرب، فترانا لماذا نبحث عن الحي بين الأموات؟ فهو القائم والجالس عن يمين الآب، يرفعنا معه إلى حب أبدي وحياة لا تعرف الموت نبحث عنه فنجده على "المائدة المقدسة"، في لقاء اليوم الأول المتواتر، وشركة الجسد والدم ومشاركة الجماعة خبز المحبة إنه الإحتفال الفصحي الذي يتحقق في كل لقاء إفخارستي بدأنا نلحظ للأسف تراجعاً عنه في أوساطنا لا سيما الشبابية منها والأسباب منها الإجتماعي والديني والثقافي والإيديولوجي"، مضيفا:"أتمنى وأصلي أن يشكل "زمن كورونا" هزة روحية تعيدنا الى لقاء الأحد، وترسلنا بعده لنشهد للمسيح الحي في خضم الحياة اليومية حيث تتواصل ذبيحة القربان على مذبح الإنسانية"، مؤكدا أننا "نبحث عن يسوع، طبيب أجسادنا ونفوسنا وشافيها. نعم أحبائي، فعندما نلتقي به ونحن في الطريق
كالتلميذين الى عماوس، ندرك أن كتابه المقدَّس والمقدِس ليس قصصاً تاريخية وسرداً للأحداث والأشخاص، بل هو بحق ألف وياء وجودنا ونقطة الإرتكاز واللقاء الحميم مع الشخص الحبيب الذي يغمرنا الى صدره ويشفي تاريخنا الشخصي من جراح التاريخ وينقذ البيت من الخراب والدمار والعنف، ويرمّم العلاقة التي شوّهها الإنسان في أيقونة أخيه الإنسان فيعيد لها النقاء والجمال"، مؤكدا أن "المسيح هو ضمانتنا ومصدر سلامنا الداخلي. هو الذي ينقلنا من الوقت المحدود الى حالة الزمن، "كيروس" النعمة المجدّدة والمنفتحة على أبدية الحب. "إنه ليس هنا"، فالمسيح لم يعد في القبر، لقد سبقنا ليدلنا على الطريق نحو الإنسان، فننحني ونغسل أرجل بعضنا البعض، ونبلسم جراح المريض في الجسد والنفس، ونطعم الجائع الى خبز الحق ونستقبل المشرد والمهجر بفرح وكأن يسوع ذاته يريد أن يدخل الى بيتنا ليمكث معنا ويتعشى فنكون علامات رجاء في درب الكثيرين ممن فقدوا الرجاء وهم ينتظرون بسمة محبة وكلمةً صادقةً ويداً ممدودةً بتواضع وصمت. ٍ
فأمام ضحايا العنف المنزلي، وملايين الأطفال الذين يموتون من الجوع والعطش والنقص في الطبابة،
وأمام كم هائل من النساء والرجال الذين يعانون الحروب والاضطهاد ويندثرون لاجئين ومهجرين، تعالوا نرى في وجوههم وجه يسوع. كم من الأشياء السيئة تحدث حولنا بسبب كبرياء أولئك الذين يعتبرون أنفسهم آلهة هذا العالم؟ فهم يعبدون المال والسلطة ويعيثون الظلم ويتصرفون كآلهة؛ هذه هي الإسترارية لخطيئة آدم الأول. لسوء الحظ بالنسبة لهذه الفئة من الناس يصبح الإنسان رقماً وسلعة. وكم ينتهك انسجام الطبيعة وتناغمها وجمالها؟ فالأخلاق الاجتماعية تنكر والقيم الإنسانية تداس. ولكن مع المسيح القائم، سوف يتغير عبر الشهود الأنقياء هذا الواقع المؤلم نحو إنسانية تتوب وتتصالح مع نفسها وتقف مستعدةً للدفاع عن كرامة الإنسان إنها الكنيسة التي تصلي وتلتزم في نشر الفرح والرجاء، فتتجدد الثقة وتترسخ علامات السلام".
واضاف: "يتحدثون عن زمن ما بعد "الكورونا"، عن "نظام عالمي جديد" فالنظام الذي لا يحترم الكرامة الإنسانية والمساواة بين مواطني العائلة الكونية غير قابل للحياة دعونا نذكّر أنفسنا في هذه القيامة، بأن "النظام الجديد" قد تحقق يوم الجمعة العظيمة وفي أحد القيامة فالجديد فيه هو قوة الحب المنتصرة ومنطق الغفران وثقافة السلام والمصالحة التي تمت بين الأرض والسماء"، لافتا الى أن "النظام الجديد هو نظام إنسانية حرّرت وغمرت بالحياة الأبدية، هو التناغم بين الخليقة وخالقها، هو جسر لقاء وفسحة حوار بين الشعوب والثقافات حيث لا مكان للكراهية العرقية والحروب العبثية، ولا فرصة للعبودية والظلم الذي يدمر المجتمع البشري بسبب الأنانية. النظام القيامي الجديد هو الإلتزام بالخير العام وصون حرية الإنسان وكرامته وهي انعكاس لملكوت السماء، تتوق الأرض أن تنعم من خيرات مائدته"، مضيفا: "أتمنى وأصلي معكم أن تكون حقبة ما بعد الـ"كورونا" مغايرة لما سبقها، فنعود إلى ينابيع الإنجيل وجمال الإنسانية"، داعيا "الجميع ولا سيما شبابنا إلى أن يعيشوا الإختبار الإيماني، ويشعروا بوجود المسيح الذي يحبهم ويدعوهم إلى أن يشهدوا لقيامته ويكونوا صانعي سلام ورواداً في هزم المادية واللامبالاة.