إنّ لحظة القيامة الّتي تمّت، فجر يوم الأحد، يؤكّد لنا الإنجيليّون الأربعة،أنّ أحدًا لم يرها؛ لا الحرّاس، ولا الرّسولان يوحنّا وبطرس اللّذان جاءا القبر، فلم يريا سوى الكفن المطوي، ولا حتّىالنّساء اللّواتي أتين ليُطيِّبن جسد يسوع، على جري العادة، عند اليهود. وما هذا إلّالتبقى لحظة القيامة، جوهر الحياة المسيحيّة، وأساسها، غير منظورة من أحد.وإن كان المسيح لم يقم، فإيماننا باطل؛ هذا ما يؤكّده، لنا، الرّسول بولس.
لماذا خيار القائم من الموت ألّا يشهد أحد على قيامته؟الجواب واضح،نسبةً إلى الكنيسة الأولى،ليتساوى كلّ من يؤمن به، بالإيمان، أيلنكون، نحن المؤمنين، في الزّمن الرّاهن، أيضًا، شهودًا حقيقيّين لمفاعيل القيامة في حياتنا الشّخصيّة، حتّى لو لم نكن حاضرين، في تلك اللّحظة التّاريخيّة الّتي حوّلت المسيرة البشريّة، من البحث عن الله، إلى مفهوم آخر، وأهمّ،أنّ الله هو من يبحث عنّا؛ ومن مفهوم المتعالي الّذي ينتظر الذّبائح، إلىمفهوم ما من حبّ أعظم من أن يضحّي الله بابنه الوحيد ذبيحة حبّ، وغفران، ليرفع الإنسان بتنازل الإله.
فإذا كان كثير من المؤمنين، في زمن الكورونا، قد غابوا، بطريقة قسريّة، عن عيش الأسرار المقدّسة، وعن المشاركة في احتفالات الأسبوع المقدّس، من مسيرة الآلام،إلى فجر القيامة، وفيالاحتفال بسرّ الإفخارستيّا في ذكرى تأسيسه،وفي قدّاس منتصف ليل السّبت-فجر الأحد،لإعلان قيامة الرّبّ، ويوم الاثنين الّذي، فيه، نهنّىء أمّنا مريم العذراء، إلّا أنّ هذا كلّه لا يحول أن نكون شهودًا حقيقيّين، بحياتنا، لقيامة الرّبّ يسوع المسيح، من بين الأموات، ولا يحرمنا عيش مفاعيل القيامة، في يوميّاتنا،متشبّهين بالرّسل الّذين لم يروا لحظة القيامة، إلّا أنّهم أصبحوا شهودًا حقيقيّين، حتّى الرّمق الأخير، من حياتهم، على قيامة الرّبّ. وتعلّمنا الكنيسة الأولى، إلى يومناهذا،أنّ زمن التّحدّيات والاضطهادات هو زمن نعمة، وعودة إلى الأصل،أي إلى نبع الحياة وجوهرها.
لعلّه، في تاريخ الكنيسة، لم يمرّ"عيد الكبير" كما مررنا، به،هذا العام، بالتّزامن مع هذا الوباء العالميّ، إلّا أنّ يسوع المسيح، سيّد الزّمان الحاضر في الكنيسة، بشكل أسراريّ، وبروحه القدّوس الّذي يعطي كنيسته ديناميّة الفهم، مازال هو هو. ويدعونا،اليوم، أكثر من أيّ يوم، أينما كّنا، إلى الشّهادة الحقيقيّة لقيامته في حياتنا،كلّ منّا بحسب الموهبة الّتي وُهِبت له، من العليّ.وكما تتّحد كنيسة الأرض بكنيسة السّماء، فلنكن، في زمن الكورونا، متّحدين بعضنا مع بعض، بالرّوح وبالشّوق، لنعلن سويًّا أنّالمسيح قام، وأنّنا شهود على ذلك، بأعمالنا الصّالحة، أوّلًا وآخِرًا، مع الذّات، والآخَر، لكي نصل إلى ملء قامة المسيح، فتبقى المسيحيّة قياميّة،حتّى في زمن الأوبئة والموت، الموت على الصّليب.