عند كل أزمة تصيب المواطنين مباشرةً ويتطلب الخروج منها تضافر الجهود بين كل المؤسسات العامة والخاصة، وبين كل مكونات الشعب اللبناني السياسية والمدنية والدينية، تخضع المجالس البلدية في القرى والبلدات الى إمتحان، مادته الأساسية، كيفية التعاطي مع الأزمة الواقعة بسرعة والخروج منها بأقل خسائر من خلال خطة إجتماعية وإنسانية شاملة تعتمد على كادر بشري منظم وعلى قدرات مالية تسمح لها بالصرف تماشياً مع متطلبات الأزمة. إمتحان يبدو هذه المرة وكأنه الأصعب تاريخياً على البلديات، بما أن عنوانه فيروس كورونا. فمنذ إكتشاف الإصابة الأولى في لبنان، أي منذ ٢١ شباط الفائت، كثيرة هي المجالس البلدية التي سقطت في الإمتحان المذكور إما بسبب قدراتها المادية وإما بسبب كادرها البشري وخطتها غير الموجودة، وقليلة هي البلديات التي أتثبتت قدرتها على المواجهة والصمود. واحدة من هذه القلة القليلة من البلديات هي بلدية الحدت–سبنيه-حارة البطم، التي أظهرت جهوزية تامة منذ بداية الأزمة، وقد ترجم ذلك بمبادرتها الى إصدار سلسلة من القرارات والتعاميم التي جعلتها تسيطر على الوضع الصحي في مدينة يعيش ضمن نطاقها ١٢٠ ألف نسمة، ولم يسجل فيها بين المقيمين إلا إصابتان فقط بفيروس كورونا. ففي ١٠ آذار الفائت، أقفلت البلدية كل النوادي الرياضية ومحال النرجيلة وألعاب القمار، وبعد يومين أقفلت الطريق المخصص للسير على الأقدام في حديقة مار أنطونيوس البادواني. في ١٤ آذار، رفعت مستوى تدابيرها مقفلة بشكل تام كل المحال التجارية، بإستثناء السوبرماركت والأفران والصيدليات. أما في ١٦ آذار، فتبرعت من صندوق البلدية بهبة قيمتها ٢٥٠ مليون ليرة الى الصليب الأحمر اللبناني. وعندما سجلت أول إصابة كورونا في البلدة في ٢٤ آذار، وصاحبها من شرطة البلدية، سارعت البلدية الى إصدار بيان وزع لوسائل الإعلام، ثم إستتبعت إجراءات التعقيم في مبنى البلدية والشارع الذي يعيش فيه الشرطي، بإجراء ١٠٠ فحص PCR لعائلة المصاب ولعناصر وأعضاء البلدية، ومن طُلب منه التزام الحجر المنزلي، تابعته البلدية لحظة بلحظة مقدمة كل الدعم المطلوب له. وعندما نفذ صبر الناس من سعر الدولار وما ولّده من إرتفاع بأسعار السلع على أنواعها، أطلق رئيس البلدية جورج إدوار عون نداء انسانياً أبرز ما جاء فيه، "…كيف لنا أن نطلب أو نفرض على فقير جائع أن يبقى في منزله ما لم ننهض ونبادر للمساعدة ؟…" نداء عون الإنساني، سرعان ما ترجمته البلدية بتوزيع ٦٠٠٠ آلاف حصة غذائية على العائلات المحتاجة بقيمة ٦٥٠ مليون ليرة، وزن كل حصة يصل الى ٤٠ كيلوغراماً من الحبوب والنشويات والزيت والزعتر والطحين... الخ. أهم من توزيع الحصص، هي الطريقة التي تم التوزيع على أساسها إذ إحترمت كرامة الفقير ولم تشعره ولو للحظة بحاجته او بإضطراره الى مدّ يده. أجرت البلدية مسحاً ميدانياً للعائلات الأكثر فقراً وتلك المتضررة من التعبئة العامة، ومن دون أن يأتي المواطن الى البلدية، أو ان يملأ إستمارة، بدأت بتوزيع الحصص على المنازل عبر عناصر الشرطة والعمال. بلدية الحدت لم تكتف بكل ما تقدم، فأبلغت أصحاب المولدات الكهربائية وإشتراكات الإنترنت بقرارها الذي يمنع راهناً قطع اي إشتراك عن مواطن لم يتمكن من دفع الفاتورة. وما إن أعلنت وزارتا الداخلية والشؤون الإجتماعية عن منصة عبر الإنترنت يملأ عبرها الفقراء إستمارات للإستفادة من المساعدات المادية التي أقرتها الحكومة بقيمة ٤٠٠ ألف ليرة لكل عائلة، حتى وضعت بلدية الحدت بتصرف المواطنين أرقاماً خلوية عدة يتصلون عليها بعشرة موظفين من البلدية، وهؤلاء الموظفون هم من يقومون عن المواطن بعد الحصول على المعلومات الخاصة به، بتعبئة الإستمارات.
ما ذكرناه أعلاه، لا ينظر اليه فقط من زاوية المقدرات المالية التي تملكها البلدية في صندوقها، فهناك بلديات في صناديقها مبالغ تفوق بأضعاف رصيد بلدية الحدت، ولم تترجم في سلوكها خلال مواجهة كورونا، ما يعرف بالتضامن الوطني والإجتماعي.
هنا في "جمهورية الحدت" وهي التسمية الأحب على قلوب الحدتيين، هناك من يفكّر ويخطط، وهناك الجندي المجهول الذي يسهر ليلاً نهاراً على حسن التنفيذ مدققاً بتفاصيل التفاصيل.
هي أكثر من بلدة وبلدية ورئيس، هي حكاية صمود يلد بالفطرة مع أهالي الحدت، ويظهر عند كل شدّة وأزمة، والبلدية برئيسها وأعضائها، خير من يمثّل هذا الصمود الإنساني.