يسير لبنان في خطى ثابتة على طريق الانتصار على وباء «كورونا»، إثر الخطة الناجحة لوزارة الصحة والمستوى المتقدّم للقطاع الطبي، رغم ضعف الامكانات، والدور المهم والقيادي الذي تولّاه قطاع الإعلام في لبنان، ان من حيث الضغط الفعّال لاتخاذ التدابير المطلوبة، او لناحية نشر الوعي والمعرفة بين الناس.
لكن الاسابيع الصعبة التي اجتازها اللبنانيون بنجاح، حجبت عنهم التطورات الخارجية الفائقة الاهمية، والتي تؤسس لمرحلة مصيرية صعبة. فعند الحدود الجنوبية للبنان، تمّ الإعلان عن تفاهم لتشكيل حكومة ائتلافية بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، وفق بنود مكتوبة تمّ توقيعها، وهو ما ينهي اكثر من سنة ونصف السنة من الاضطراب السياسي في اسرائيل. لكن الجانب الاساس مما حصل، هو الاتفاق على ضمّ اكثر من ثلث الضفة الغربية، وتحديداً منطقتي يهودا والسامرة، ابتداء من شهر حزيران المقبل.
والواضح، انّ الإئتلاف المذكور ما كان ليحصل وفق برنامج العمل الذي تمّ توقيعه، لولا جهود واضحة للبيت الابيض، وهنا بيت القصيد.
ولا بدّ من التذكير بالدعوة التي وجّهها الرئيس الاميركي دونالد ترامب لغانتس، للحضور الى جانب رئيس الحكومة نتنياهو، خلال الإعلان عن «صفقة العصر». كان المشهد يوحي بوجود خيوط تفاهم خلفية مع زعيم حزب «ازرق ابيض» لتشجيعه على الائتلاف مع نتنياهو.
وهذا يعني، انّ خلفية الاتفاق تتعدّى الجانب الداخلي الاسرائيلي لتصل الى الساحة الفلسطينية والخريطة الاقليمية، كما بدا واضحاً في البند المتعلق بالضمّ. لكن ثمة اسئلة لا بدّ من طرحها، فالشروع في هذه الخطوة سيعني فتح ابواب المواجهات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ما يمهّد الى انّ مرحلة دامية ستلي البدء بالتنفيذ، وهو ربما ما جعل نتنياهو يقدّم هدية مسمومة لغانتس. لكن السؤال، كيف سينعكس ذلك على الساحات العربية وتحديداً على الاردن؟ ولحظ الاتفاق، أنّ غانتس ونتنياهو سيعملان بالتنسيق الكامل مع واشنطن، خصوصاً لجهة رسم الخرائط، بعد ان كان فريق الخبراء الاميركي - الاسرائيلي المشترك المكلّف رسم الخرائط، قد أوقف عمله بذريعة فيروس «كورونا».
لكن السؤال الذي يُطرح داخل الادارة الاميركية، حول تأثير هذه المواجهات الدموية المتوقعة على انتخابات ترامب بعد بضعة اشهر، وما اذا كان من الافضل تأجيل التنفيذ الى ما بعد تشرين الثاني المقبل.
كل ذلك يؤشر الى الاستنتاج، بأنّ المنطقة امام ولادة وحش سيسكن الحكومة الائتلافية الاسرائيلية.
ومعه، فإنّ الرسالة التي وجّهها «حزب الله» لاسرائيل، من خلال ثلاثة مواقع عند السياج الحدودي، والتي غلب عليها طابع «السحر»، تصبح ابعادها بليغة، وسط حال الصدمة التي عكسها الاعلام الاسرائيلي، ولو انّها جاءت في اطار الرد بالمثل على استهداف سيارة جديدة يابوس وتثبيت معادلة «المعاملة بالمثل». وتحدث الاعلام الاسرائيلي عن مستوى حرفي رفيع لـ»حزب الله» واستغلاله بمهارة نقاط الضعف في الانظمة الدفاعية القائمة.
وصحيح انّ حكومة الوحش الاسرائيلية تضع في حساباتها الانتخابات الرئاسية الاميركية بعد اشهر، لكن الأجندة الخاصة بها ترصد ايضاً استحقاقين مهمين في 2021.
الاستحقاق الاول يتعلق بالانتخابات الرئاسية الايرانية، والذي تتابعه واشنطن بدقة. فالحرس الثوري الايراني تعاظمت قوته الداخلية مرتين. مرة بسبب تمزيق ترامب للاتفاق النووي، ما ادّى الى انهيار التيار الاصلاحي في الانتخابات التشريعية الماضية، ومرة ثانية اكتسابه مزيداً من السيطرة على نظام الرعاية الصحية، بعد ايلائه مهمة مكافحة الوباء، ما سيؤدي حكماً الى زيادة نفوذه على سياسة الحكومة مستقبلاً. ومعه، فإنّ الدوائر الاميركية تدرس تأثيرات «كورونا» على مستقبل القيادة في ايران واستمرارية رجال الدين، بعد تقدّم عمر مرشد الثورة السيد علي خامنئي. وبالتالي، ما اذا كان النظام الايراني قابلاً للاننتقال الى صيغة جديدة خاضعة لنظام امني - عسكري، من خلال ظهور شخصية قيادية جديدة.
وفي 2021 إستحقاق الانتخابات الرئاسية السورية المثيرة للجدل، والتي ستعني حتماً انّ تترافق مع انجاز التسوية السياسية النهائية لسوريا. وربما من هذه الخلفية هاجمت وسائل اعلامية روسية الرئيس بشار الاسد. وكان مضمون الرسالة الروسية للأسد، انّه حان وقت التسوية ويجب الشروع في التحضير لها، خصوصاً وانّ الاقتصاد الروسي غير قادر على تحمّل كلفة الحرب في سوريا لفترة اطول، وهنالك من يربط بين سماح روسيا للطائرات الاسرائيلية بالإغارة على تدمر وبين رسائل ضغط موسكو على الاسد.
لذلك، ربما زار وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف دمشق على وجه السرعة، لإعطاء جرعة دعم للاسد والتروي في الاندفاع الى التسوية الآن. ذلك انّ طهران لا تزال تراهن على ضرورة انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية.
لكن هذا لا يمنع من ملء الوقت الضائع باستئناف محادثات استانة، ولو عبر التواصل التلفزيوني بين موسكو وانقرة وطهران. ذلك انّ واشنطن تعمل على تحضير وتجهيز اوراق الضغط على ايران، ومنها على سبيل المثال، اعادة توظيف «داعش» في الميدان العراقي ـ السوري، وخصوصاً انّ الزعيم الجديد لـ»داعش» ابو القرشي، رُصد دخوله الى العراق أخيراً. وترافق ذلك مع هجمات مؤثرة لـ»داعش» استهدفت نقاطاً عسكرية واهدافاً تابعة لعشائر ساعدت القوات العراقية في حربها ضد «داعش». القرشي، وهو صاحب النهج الاشد تطرّفاً في القتل والعنف، هو من اصول تركمانية، اي جذور تركية.
المخابرات المركزية الاميركية تقول، إنّ «داعش» حافظ على تماسكه وسلامة بنيته التنظيمية، وانّ عدداً من خلاياه لا تزال تعمل.
ولكن هذا لا يعني انّ فعالية التنظيم الآن مشابهة لأيام البغدادي، ولو انّ عديده يشمل نحو 14 الف عنصر موزعين بين العراق وسوريا. لكن التنظيم ما زال يمتلك امكانات قتالية ولو محدودة، تستطيع تهديد الامن والاستقرار في مناطق تتراوح بين كركوك وديالى والانبار في العراق وحمص ودير الزور والحسكة والرقة في سوريا.
البعض يربط إعادة تسليط الضوء على «داعش» بالطلب العراقي انسحاب الاميركيين من العراق، ما يجعل محاربة «داعش» في حاجة الى الوجود العسكري الاميركي. والبعض الآخر يضعه في سياق تحضير الساحتين العراقية والسورية والممر البري بين ايران ولبنان، لمفاوضات ترتيب النفوذ وإعادة رسم الاحجام ورسم المعادلات من الضفة الغربية الى الاردن الى سوريا ولبنان والعراق. وهو ما يعني في كل الحالات، انّ المراحل المقبلة شديدة الدقة والخطورة.