وجه مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان كلمة لمناسبة قدوم شهر رمضان، تناول فيها معاني وفضائل الشهر المبارك، توجه في بدايتها بالتهنئة إلى أهل صيدا بشكل خاص وإلى جميع اللبنانيين بشكل عام وإلى المسلمين بشكل أعم، بقدوم شهر رمضان المبارك، هذا الشهر العظيم الكريم، شهر العبادات والطاعات، شهر التوبة والصيام والصلاة والقيام، شهر مضاعفة الحسنات ومحو السيئات".
أضاف: "يقول رسول الله أتاكم رمضان سيد الشهور فمرحبا به وأهلا. ويقول رسول الله أتاكم شهر رمضان، شهر بركة فيه خير، يخشاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل. ويقول رسول الله شهر رمضان المبارك، شهر الجود والإحسان والمواساة والرحمة والعطاء والانفاق والصدقات وتعويد النفس على الخلق القويم، شهر البر والزكاة والعطاء، هو موسم عظيم للصدقة وإيصال البر الى الفقراء والمساكين، كما أنه فرصة سانحة للباذلين والمعطين والمنفقين. ويقول صلى الله عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا. ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا".
وتابع: "أيها الصائم، أيها الأخوة، أيها الأهل والأحبة والأبناء في صيدا، أنفقوا ولا تخشوا من ذي العرش إقلالا. أيها الأغنياء الميسورين القادرين على العطاء، انتهزوا فرصة رمضان. يقول رسول الله أنفق أنفق عليك". ويقول أحد العارفين بالله، عودني الله عادة، وعودت عباده عادة، عودني الله أن يعطيني وعودت عباده أن أعطيهم. وإني أخاف إن غيرت عادتي مع عباده أن يغير الله عادته معي". وقال: "هذا الشهر الذي ننتظره في كل عام بالحب، بالإحساس والشعور، لأنه يأتي إلينا كما يأتي الضيف الكريم العزيز ويصوم الإنسان فيه. هذا رسول الله يتحدث عن الذين لا ترد دعواهم فيقول الإمام العادل والصائم حتى يفطر والمظلوم فإن دعاءه يرفع فوق الغمام وتفتح له أبواب السماء. كما يشير القرآن إلى الذين يعطون وينفقون ويتصدقون وهم يقدمون من مال الله وليس من مالهم وهذا حق عليهم. هذا المال مال الزكاة، يقول جل من قائل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
ورأى أن "من أدب العطاء أن لا يكون هناك منة. والقرآن عندما يقول أعطوا الفقير حقه لأن هذا المال هو مستخلف فيه، هو يدير أمره في حياته، ولكنه عندما يذهب في الدنيا يبقى في الدنيا. هذا الانسان يجب أن يعلم أنه يولد من بطن أمه من دون ثياب، ويخرج من الدنيا بدون ثياب، إن الأكفان ليس فيها جيوب ولا حسابات في البنوك".
أضاف: "يقبل علينا شهر رمضان المبارك، ونحن نعيش في ظروف صعبة وفيها معاناة، من فقر وجوع وعوز وحاجة ومرض. إذا كانت صيدا قد تعودت وأنا اذكرها صيدا باب السراي، صيدا ضهر المير، صيدا المصلبية، صيدا الزويتيني، صيدا حارة الجامع، صيدا حارة السبيل، في صيدا في رمضان يتبادل الناس الطعام، وكل البيوت الصيداوية كانت تستقبل على موائدها المحتاجين والفقراء، صيدا هذه المدينة المشهورة المعروفة بحب أبنائها لبعضهم البعض. هذه المدينة التي في وقت الضيق تلتف حول نفسها وتعالج مشاكلها وأمورها. صيدا اليوم لا تريد أبدا أن ترى في رمضان فقيرا يتسول، ولا أن ترى جائعا يطلب ويشحذ، ولا أن ترى أرملة مسكينة مريضة. صيدا اليوم تريد من الجميع أن يتعاونوا، الكبير يشفق على الصغير، والغني يرحم الفقير ويعطى كل الناس قدر المستطاع. بهذه الأعراف والعادات، بهذا الإيمان، في هذا الشهر الكريم المبارك، أطلب وأتمنى على أهلي وإخواني الميسورين أن لا ينسوا الفقراء. وليعلموا أن من فطر صائما كان له مثل أجره دون أن ينقص ذلك من أجره شيئا. ألا تريد هذا الأجر؟ أنا أدلك على الطريق. هذا الطريق اسلكه في رمضان وفي غير رمضان".
أضاف: "في هذا الوقت بالذات وفي هذه الأيام الصعبة التي لم نعرف لها مثيلا على كل صعيد وفي كل عناوينها السياسية والاجتماعية والمالية والتجارية، هناك معاناة حقيقية عند الناس وهناك عائلات مستورة وهناك عائلات متعففة. وأنا أريد أن أقول أن الصيداوي لا يشحذ، ويستحي أن يطلب. فلتبحثوا عن هؤلاء ولتعطوا هؤلاء. الذين تركوا من أعمالهم ومن أشغالهم ومن وظائفهم وأصبحوا في بيوتهم لا يعرفون ماذا يفعلون وكيف يطعمون أبناءهم وزوجاتهم".
وطلب من "أهلي وإخواني الميسورين الأغنياء، أن لا يبخلوا في رمضان وفي غير رمضان. هذه أيام مباركة هذه ايام ستشهد لهم يوم القيامة في كل لقمة يطعمونها لفقير. هذه تمحو السيئات، هذه تزيد من الحسنات، وأن نعطي بالخفاء وبالسر وبدون منة، فالفضل كله لله. فلنتوجه جميعا لهذا العطاء الانساني المطلوب في هذه الأيام الصعبة". وقال: "لا يسعني ونحن نستقبل شهر رمضان إلا أن أتوجه بالشكر إلى كل الهيئات والمؤسسات وكل الذين يعملون في هذا الحقل الإنساني، وأن أتوجه لهم بالدعاء بالتوفيق في هذا الجهد الكبير. وإلى بلدية صيدا التي تقوم بجهدها ونشاطها في هذا المجال وللجمعيات التي تعاونها وتساعدها في إنجاز هذا العمل. ولنهدأ جميعا، لأن العمل فيه أخطاء والذين لا يخطئون لا يعملون. فلنحاول جميعا أن نصحح هذه الأخطاء ونساعد ولكن الهدف هو مساعدة الناس وهذا موجود ومحقق إن شاء الله".
وتابع: "يعود رمضان ونحن نشعر بألم وانقباض في القلوب وبحزن. ماذا فعلنا يا الله ولماذا تعاقبنا بإقفال مساجدنا. إن الراكعين والساجدين وعشاق المساجد والذين تعودوا أن تكون قلوبهم كما قال رسول الله معلقة بالمساجد، بهذه البيوت الطاهرة التي يجتمع فيها الناس ويتقابلون ويجلسون في ما بينهم، هذا المنظر الجميل وهذه العبادة العظيمة الصلاة، تقفل المساجد هذه الأيام بضغط الوباء وليس بإرادة المعنيين والمسؤولين الذين يشعرون بكل الأسى وبالإعتذار لكل الأهل والأحباب لأنها تقفل حفاظا على الصحة والسلامة العامة. نحن نتمنى بالأمس وليس اليوم، أن تفتح مساجدنا ويلتقي فيها الراكعون والساجدون الذين يؤدون عبادتهم لله الواحد الأحد. ولكن نأمل إن شاء الله في القريب العاجل، عندما تزول هذه الغمة وننتهي من هذا الوباء أن تفتح هذه المساجد في اللحظة التي نطمئن فيها".
وقال: "كما إنني أنتهز هذه الفرصة لأتوجه الى وزير الصحة فأقول: لماذا يهمل مستشفى صيدا الحكومي الذي هو مستشفى الفقراء والمحتاجين والمساكين؟. لماذا أهمل في حجره وبشره؟ ولماذا يترك؟ ولماذا التأخير في معالجة وتهيئة ظروفه؟ لماذا القفز فوق مدينة صيدا في الزيارات الرسمية وعدم زيارة هذه المستشفى ؟ ماذا فعلت صيدا، ماذا أعطيت على الصعيد الصحي الطبي؟ أنا لا أجد لهذا سببا الا الاستخفاف بهذه المدينة. صيدا مدينة موجودة على الخارطة اللبنانية يا معالي الوزير. أهل صيدا يبحثون عن قدراتهم الذاتية ولكنهم لا ينسون حقهم في الدولة اللبنانية. وهم يريدون هذا الحق. هذا دور المرجعيات السياسية في مدينة صيدا وكل الهيئات أن تتابع. لا أريد أن أقول أكثر من ذلك وأنا أعلم الكثير".
وتابع: "ونحن نستقبل شهر رمضان شهر الانسان والقرآن نتوجه إلى الله تعالى بالدعاء اللهم يا حنان يا منان يا قديم الإحسان، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها، يا غياث المستغيثين، يا كاشف الضر ويا دافع البلوى. نعوذ بك من البرص والجنون والجذام والمرض والوباء ومن سيء الأسقام. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك. لا اله الا انت سبحانك انا كنا من الظالمين. اللهم انا نسألك ان تكشف عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم وما انت به أعلم. انك انت الأعز الأكرم. نتوجه إليك يا الله يا رب هذا الوجود ونقول أكرمنا في شهر رمضان وجنبنا الغفلة والعصيان، وأحيي قلوبنا بطاعتك وهدايتك وهذب نفوسنا بالصيام والقيام وتلاوة القرآن. اللهم وأعنا على أداء الفرائض والواجبات والسنن وإخراج ما علينا من حقوق وزكاة، وانصرنا وانصر أمتنا على الأعداء، يا نعم المولى ونعم النصير. يا الله يا رب هذا الكون والوجود، يا رب السماء والأرض. إنا نسألك أن تحفظ وطننا، وأن تحفظ مدينتنا برجالها ونسائها، ببيوتها ودورها، بكبيرها وشيوخها وأطفالها، احفظ مدينتنا صيدا من كل ما يضر بها وما يسيء اليها، احفظها من الوباء، احفظها من البلاء".
وتوجه إلى التجار ووزارة الاقتصاد بالقول: "يكفي ما يعانيه المواطن فلا تزيدوا عليه، ولا تستغلوا هذه المحنة وهذه الأيام الصعبة. فإن كان العبد لا يحاسب، فإن هناك ربا يحاسب".