لم تقتصر تأثيرات أزمة "كورونا" على الشقّين الصحي، والاقتصادي للناس في لبنان والعالم، بل امتدت الى الشق النفسي، فازداد التوتر، الخوف، الرعب، القلق، وهذا كان له تداعياته الخطيرة على النساء في المنازل بالدرجة الاولى، اذ ازدادت نسب العنف المنزلي بسبب الحجر، ودفعت النسوة أثمانا باهظة نتيجة الضرب، ومحاولات القتل، والعنف الشديد.
كما كانت "الكورونا" عابرة للحدود، كذلك "العنف المنزلي"، فوصل الأمر الى حدّ قيام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإطلاق "النداء العالمي" لحماية النساء في المنازل، في وقت يتفاقم فيه العنف المنزلي والأسري خلال فترة الحجر الصحيّ الناجمة عن تفشّي فيروس كورونا.
وفي فرنسا، أشارت تقارير حكومية الىوجود زيادة مهولة في العنف الأسري وخاصة ضد النساء وصلت الى حدود الـ36 بالمئة،بالإضافة إلى عدم القدرة على التوجه إلى مراكز الشرطة للتبليغ، في ظل فترات الحظر والتقييد المفروضة في البلاد.
وفي بريطانيا أيضا، ازدادت نسبة العنف ضد النساء في شهري آذار ونيسان بحوالي 30 بالمئة عن باقي الأشهر، اما في لبنان فلم يكن الوضع أفضل، اذ تشير محامية التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني منال مجد الى أن الاتصالات التي تأتي الى الجمعية عبر خطّها الساخن على الرقم 71500808، ارتفعت بحدود 180 بالمئة، خلال شهر آذار، كاشفة في حديث لـ"النشرة" أن 20 بالمئة من مجموع الحالات التي اتصلت كانوا بخطر شديد، و13 بالمئة من الحالات هي لنساء تركن المنزل بسبب العنف.
وتضيف مجد: "إن حالات التوتر التي خلقتها أزمة الكورونا والحجر المنزلي الذي جعل الوقت الذي يمضيه الرجل في المنزل أطول بكثير من قبل، الأمر الذي رفع نسبة العنف المنزلي، حيث أصبحت المرأة "فشّة خلق" الرجل، وكثُرت المشاكل بينهما، حتى على الأمور السخيفة"، مشددة على أنّ المرأة في هذه المرحلة تعاني أكثر من السابق لأننا بمرحلة حجر وإقفال، وبالتالي تخشى حتى الخروج من المنزل للتبليغ.
تتصل المرأة بالتجمع، عبر الخط الساخن، ويستمع لشكواها، ويحيلها الى المرجع المناسب، واحيانا تطلب الاستماع الى رأي المحامين، فيتحدث معها محامو التجمع، في وقت يناسبها كي لا تتعرض لأذى أو حرج من زوجها، فيضعها محامي التجمع بجو ما لديها من خيارات، للبناء عليها والقيام بالتصرف المناسب.
وفي سياق متصل أصدر النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات تعميما حمل رقم 68/ص/2020 يتضمن إجراءات لحسن سير عمل النيابات العامة في قضايا العنف الأسري، وأبرز ما فيه بحسب مجد هو "عدم اشتراط حضور الضحية الى مركز الضابطة العدلية للإستماع الى إفادتها في حال أدلت بعدم امكانية الإنتقال بسبب الأوضاع الصحية، وقيام المحامي العام الإستئنافي المختص بالإستماع اليها من قبله شخصيا أو من قبل الضابط العدلي المكلف بالتحقيق، عبر تقنية الفيديو كول أو بأي وسيلة يراها مناسبة"، مشيرة الى أن هذا القرار يشكّل قفزة نوعية في طريقة تعاطي القضاء مع حالات العنف المنزلي.
بدورها رحّبت الناشطة في جمعية "fe-male"عليا عواضة بقرار القاضي عويدات ولو جاء متأخرا، مشيرة في حديث لـ"النشرة"، الى أن عمل الجمعية يهدف مناصرة المرأة التي تعاني من التهميش، خصوصا بظل أزمة كورونا حيث ارتفعت حوادث العنف المنزلي بنسبة مئة بالمئة في شهر آذار لدى مؤسسة قوى الأمن الداخلي، حيث تلقت المؤسسة 88 اتصالا من نساء تعرّضن للعنف، مقابل 44 في آذار من العام الماضي.
وتضيف: "نحن نحاول الإضاءة على هذه الحوادث في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وأبرز مطالبنا هو قيام الحكومة باتخاذ إجراءات استجابة سريعة لمواجهة حالات العنف المنزلي المتزايدة بظل الحجر والتي تُمارس ضد المرأة والاطفال".
إن كان العنف المنزلي قد ازداد في أغلب دول العالم فهذا لا يعطي القضاء اللبناني مبرّر عدم التعاطي بشدة مع هذه الحالات، خصوصا وأن المرأة في منزلها لا تملك قوة لتحميها الى قوة القانون، كذلك ينبغي على رجال الدين لعب دورهم في هذا المجال، اذ لا يكفي أن يطالبوا بحصر شؤون الزواج بهم، بل يجب أن يساهموا بحماية المرأة في كل مكان وزمان.