يبدو أن فريق "المستقبل"، وحلفاءه، تحديداً الحزب التقدمي الإشتراكي، لم يتعظوا من تجاربهم السابقة، حين حاولوا التفرد بالسلطة، غداة إستقالة الوزراء الشيعة، والوزير يعقوب الصراف، من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، في تشرين الثاني من العام 2006، بعد فشل المشاورات بين الأفرقاء اللبنانيين في التوصل الى اتفاق في شأن مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية، لا يستأثر بقرارها أي فريق في حينه، يوم كان الإنقسام في البلد بين فريق المقاومة والتيار الوطني الحر من جهة، وفريق "الحريري" وحلفائه من جهة أخرى. وبعد خروج الوزراء المذكورين آنفاً من الحكومة، باتت بتراء، وفاقدة للميثاقية. وقتها، لم يكترث السنيورة وفريقه، لتلك السابقة البالغة الخطورة، التي لم يشهدها لبنان في حياته الدستورية من قبل.
وتصرف رئيس الحكومة المبتورة أنذاك، وكأنه الحاكم المطلق في البلاد. لا بل، راح السنيورة ومن معه أبعد من ذلك في ضرب ميثاق العيش الواحد في لبنان، والإمعان في خرق دستوره، يوم كانوا يسعون الى إنتخاب النائب السابق نسيب لحود، رئيساً للجمهورية، بنصف عدد أصوات النواب زائداً واحداً. الأمر الذي حذر من المضي به، رجل القانون وزير العدل السابق بهيج طبارة، معتبراً أن إنتخاب رئاسي على هذا النحو، حتماً قد يدفع البلاد الى نفقٍ مظلمٍ. فجاء رد "المستقبل" على هذا التحذير ، بطرد طبارة من كتلة الحريري النيابية. ولم تنته حقبة الإستئثار هذه، إلا بعد حوادث السابع من أيار 2008، وعقد تسوية الدوحة.
وكانت تلك الحقبة من أسوأ مراحل اللاستقرار التي شهدها تاريخ لبنان الحديث، كذلك أثبت نهج الإستثار فشله في إدارة حكم البلد، الأمر الذي يدركه حزب الله تماماً، فقد عمل جاهداً لعدم العودة لأي شكلٍ من أشكال هذا النهج، بحسب تأكيد مصادر سياسية قريبة من الحزب.
لذا وبالإنتقال الى المرحلة إستقالة الرئيس سعد الحريري، أثر التحركات الاحتجاجية في تشرين الأول الفائت، فقد أبدى حزب الله تمسكاً كبيراً بعودة الحريري الى السراي الكبيرة. وفي هذا السياق تكشف مصادر إعلامية أن "الحزب"، بقي متمسكاً بالحريري، ورافضاً لاي مرشح سواه، الى الرئاسة الثالثة، الى حين حسم رئيس الوزراء السابق خياره النهائي، وهو الإعتذار عن قبوله تشكيل الحكومة، بعدما وضع شروطاً تعجيزيةً للموافقة على التأليف، خصوصاً لجهة رفضه ترؤس حكومة تضم شخصياتٍ سياسيةٍ، وهو مازال رئيساً لتيار سياسيٍ.
عندها آلت رئاسة الحكومة الى الرئيس حسان دياب، الذي تلقف وحكومته كرة النار، في ضوء الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تسيطر على البلد، خصوصاً شح "العملة الصعبة" من المصارف، فإنصبت جهود دياب وفريقه في البحث والدراسات المعمقة، مع مستشارين ماليين على مستوى دولي، وصولا لإستنباط خطة لوضع حد للتدهور الراهن، وبداية إخراج البلاد من المأزق.
وعندما أبدى دياب جدية وتصميماً على المضي قدماً في محاولته الإنقاذية، إنبرى الثنائي "المستقبل – التقدمي"، ومن يدور في فلكهما، بالهجوم على رئيس الحكومة، خوفاً من سقوط "نظام المحاصصة المذهبية"، التي أمسكت بموجبه "الحريرية السياسية" زمام السلطة، ووزعت المغانم والمكتسبات والوظائف، بين شركاء الحكم، الذي إنبثق عن هذه "الحريرية" منذ العام 1992، وصولاً الى مرحلة تولي دياب السلطة في الأشهر القليلة الفائتة، لان نجاحه في مهتمه الإنقاذية، وإسقاط هذا النظام، سيؤدي حتماً الى تقليص نفوذ "الحريرية"، ودورها في الحكم، وفقاً لرأي المصادر السياسية المذكورة آنفاً.
أما اليوم، وبعد تحليق سعرصرف الدولار الأميركي مقابل هبوط سعر العملة الوطنية، ثم تحميل رئيس الحكومة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة علناً مسؤولية كبيرة لما وصل اليه الوضع النقدي في البلد، عندما عبّر بوضوح أن هناك غموضاً مريباً في أداء حاكم مصرف لبنان. سبق ذلك، أن حاول بعض "الإعلام المشبوه"، تسريب معلومات مضللة، فحواها: "أن حزب الله إتخذ قراراَ، بإقالة سلامة، وأن الرئيس نبيه بري يرفض هذا القرار"، لايهام الرأي العام المحلي والعالمي أن الحزب ممسك بقرار الحكومة، ولتحميله أي تداعيات أو مزيد من تدهور الأوضاع المالية، فيما لو أقالت الحكومة سلامة من مركزه، الذي قد لا يمانعه الحزب، كذلك لإظهار انقسام في الشارع الشيعي، برأي المصادر، التي لا تستبعد أن تصل الأوضاع الى مرحلة، يطلب فيها حزب الله من حلفائه المفترضين مواقف شجاعة وعلنية وواضحة وغير قابلة للتأويل أو "التفسير"، من الحرب التي يتعرض لها وحليفه التيار الوطني الحر، ليبني الحزب على الشيء مقتضاه في المرحلتين الراهنة واللاحقة، تختم المصادر.