اعتاد المسؤولون استغلال المُناسبات والأحداث ليُدلي كل منهم بدلوه ومن وجهة نظره، سواء أكان يفقه بالموضوع أم لا!
لكن الأخطر، عندما يتناول المسؤولون والمُواطنون قراراً وقضايا تتعلّق بالقانون، فيحلّلون وينسجون "سيناريوهات" مُتعدّدة، وكأنّه لا يكفي أنّ هناك مَنْ يفقه بالقانون، لكن يُقاربه من المصلحة السياسية الشخصية، بهدف الكسب الشعبوي، وإنْ كان ذلك مُجافاة للحقيقة، فيُعلِن عبر وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي خلافاً لما يتحدّث به في الاجتماعات الداخلية أو مع أهل الاختصاص.
بين الحين والآخر ينشغل الرأي العام بقضية تطفو على سطح الأحداث، مُتقدّمة على حدث يكون قد استأثر بالاهتمام، يكاد يُخيّل أنّ الأمور لن تهدأ قبل أنْ يتم اتخاذ ما يضمن عدم تكرار ذلك، لكن ما هي إلا أيام معدودات حتى تهدأ "الزوبعة في الفنجان"، ويكون الانشغال بقضية جديدة.
ينطبق ذلك على قضية العميل عامر إلياس الفاخوري، الذي يجب أنْ تُنزل به عقوبة الإعدام على جريمة خيانة نفسه والوطن وتعامله مع العدو الإسرائيلي، فضلاً عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الأسرى المُعتقلين في "مُعتقل الخيام" خلال توليه إمرته، فاستحق لقب "جزّار مُعتقل الخيام".
لكن هذا العميل كما غيره من العملاء ومرتكبي جرائم حرب وضد الإنسانية، استفادوا من مرور الزمن العشري على وقوع الجرم، استناداً إلى المادة 10 من أصول المُحاكمات الجزائية.
هذا الأمر تكرّر مع عملاء وإرهابيين، وسيتكرر مع كُثُرٍ منهم لاحقاً، لماذا؟
لأنّ القانون اللبناني شرّع ذلك.
ومَنْ تقع عليهم مسؤولية التشريع، انبرى من بينهم مَنْ أطلق مواقف تتحدّث عن ضغوطات وصفقة وتخوين، وقصف على المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت ورئيسها العميد الركن حسين عبدالله وأعضاء هيئة المحكمة، الذين قبلوا الدفوع الشكلية التي تقدّم بها وكلاء الدفاع عن العميل الفاخوري، وأصدروا حُكماً قضى بكف التعقّبات بحقه وإطلاق سراحه، إنْ لم يكن محكوماً أو موقوفاً بداعٍ آخر.
خلال الأسبوع الماضي انعقد مجلس النوّاب برئاسة الرئيس نبيه برّي على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء في 21-22 الجاري، اختير قصر الأونيسكو في بيروت، تماشياً مع الاحتياطات الواجب اتخاذها لمُواجهة مخاطر فيروس "كورونا".
وأُقرَّ خلال اليومين عدد من القوانين، بينها تشريع زراعة القنب "الحشيشة" للاستخدام الطبي!
لكن اللافت أنّ أيّاً من النوّاب لم يتطرّق إلى ضرورة تعديل القانون، لجهة المواد التي تتعلّق بالجرائم ضد الإنسانية ومرور الزمن العشري، لتُطرح التساؤلات، ما الذي حال دون طرح مثل ذلك؟
هل يقتصر الأمر على إطلاق المواقف والتصاريح مع حصول حدث، ثم لا يتم اتخاذ خطوات لتدارك الأمور قبل فوات الأوان، والتي لو جرت سابقاً لقُطِعَ الطريق على كُثُرٍ استفادوا من سقوط المُلاحقة على جرائم ضد الإنسانية ارتكبوها، بفعل مرور الزمن العشري.
بعد توقيف العميل الفاخوري، تنبّه "مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب" إلى أنّ القانون اللبناني يُسقِط التُهم عن العميل الفاخوري، فأعدَّ دراسة تبنّاها عضو "كتلة التنمية والتحرير النيابية" النائب علي خريس، الذي تقدّم باقتراح تعديل قانون مُعاقبة التعذيب بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2019، بأنْ تصبح المادة 3 منه "جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم"، مع إضافة مفعول رجعي.
لكن "لجنة الإدارة والعدل" لم تأخذ باقتراح التعديل هذا، في جلستها التي عقدتها يوم
الثلاثاء في 21 كانون الثاني 2020، برئاسة رئيسها النائب جورج عدوان.
كما أنّ بيان "تجمّع المُحامين في حزب الله" دعا "نوّاب الأمُة إلى الإسراع بالتقدّم بمشروع القانون المُعجّل مُكرّر المُعد من قِبل "تجمّع المحامين" إلى مجلس النوّاب، والذي يرمي إلى تعديل قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، لجهة سقوط جرائم العمالة بمُرور الزمن".
كذلك، فإنّ نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر عدرة دعت في تغريدة عبر حسابها على "تويتر"، إلى "العمل على إعداد وإقرار تعديل لقانون العقوبات، بما يحول دون تطبيق مرور الزمن على أعمال العدوان على لبنان (المواد 273، 274 و275)، وأيضاً إدخال الجرائم ضد الإنسانية ضمن أحكامه - أي عدم شمولها بمرور الزمن العشري".
لا شك في أنَّ التعديل يطال كُثُراً، وبينهم قادة ميليشيات خلال الحرب الأهلية العبثية في لبنان ممَّنْ ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية من قتل وخطف وتعذيب وإخفاء، وبينهم مَنْ يترأس أحزاباً لها تمثيلها الوازن في مجلس النوّاب، لذلك لم يتم الأخذ بالتعديل!!
وإذا كانت النيّة صادقة، وتخشى بعض الكتل النيابية أنْ يطال التعديل زعماءها على جرائم يتحمّلون مسؤوليتها سابقاً، فيمكن تحديد ذلك بعدم شمول سقوط الزمن عن قضايا التعامل والإرهاب.
وحتى أنْ يُقر تعديل القانون، بمفعول رجعي أو منذ إقراره أو نشره في الجريدة الرسمية.
لكن مصادر مواكبة أكدت لـ"اللـواء" أنّ دوافع عدم تعديل القانون لجهة الإبقاء على مرور الزمن العشري، هو لمصلحة بعض النافذين باستخدام "أزلامهم" للضغط والترهيب ومُمارسة "البلطجية" ضد الخصوم أو لفرض أمر واقع، وكذلك العملاء في ظل سعي البعض للتعامل معهم على أنّهم لاجئون لبنانيّون إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلّة وليسوا عملاءً، وبذلك تتم حمايتهم بالقانون إذا ما جرى تهريبهم، مستفيدين من مرور الزمن العشري!