لم يعد هناك من قفازات في المواجهة التي يخوضها "تيار المستقبل"، ضد شخص رئيس الحكومة حسان دياب، اولاً قبل الحكومة والمشروع الذي يحمله والخطة الاقتصادية والنهج الذي يريد تبنيه ثانياً، وصولاً الى الاصلاحات المطلوبة من دياب وحكومته لوضع البلد على بداية سلم الخروج من الهاوية.
وتشير اوساط سنية بارزة في 8 آذار الى ان الحريري يخوض حرباً وجودية شخصية وعنوانها ان دياب ليس ممثلاً للطائفة السنية وهو الممثل الوحيد لها، على قاعدة انا او لا احد وان دياب ازاحه عند قبوله التكليف، بينما انسحب محمد الصفدي وسمير الخطيب من السباق الحكومي بعد "فيتو" من دار الفتوى واعتبار ان "الحرم السني" من هذه الدار كفيل بإخافة وإعطاب اي شخص سني يريد ان يتولى الكرسي الثالثة في البلد غير الحريري.
ولم يكتف الحريري وفق الاوساط من تجييش الشارع السني ونزول تيار "المستقبل" وانصاره وقطع الطرق في طرابلس، وامام منزل دياب في فردان، وعلى طريق الجية والناعمة والطريق الجديدة وقصقص، بل جمع حوله رؤساء الحكومات السابقين لتشكيل لوبي ضاغط ضد دياب لتطويقه ونزع الشرعية السنية عنه. وتضيف الاوساط لكن دياب ومعه وزير الداخلية محمد فهمي والوزراء السنة في الحكومة مضوا في طريقهم غير آبهين بمعارضة "المستقبل" اذ ان التمثيل السني وبصك انتخابات العام 2019 لم يعد حكراً على "بيت الوسط" وحده.
وقبل فتح النار على دياب، فتح الحريري النار على العهد وعلى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، عندما استقال من الحكومة، واعلن وفاة التسوية الرئاسية وفك الارتباط نهائياً مع عون و"صهر العهد". وفتح النار في كل الاتجاهات على "الرئيس الفعلي" و"رئيس الظل".
ومع الحملة التي تصاعدت ضد إدارة محمد الحوت لشركة طيران الشرق الاوسط والتأنيب العلني لدياب ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إستنفر الحريري ودار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين، ومن خارجهم ايضاً الرئيس فؤاد السنيورة والنائب نهاد المشنوق من باب "غيرة الدين" والدفاع عن السنة و"الحريرية السياسية" والمزايدة السنية. وان كل ما يقوم به دياب مدعوماً من "حزب الله" والرئيس ميشال عون وباسيل هو للتشفي من "المستقبل" وللقضاء على الارث السياسي والاداري للحريري الاب والابن.
ورغم ان كل من النائب السابق وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع انضما ايضاً الى حملة استهداف الحكومة "والغرفة السوداء" التي تدير قراراتها وفق تعبير جنبلاط ، لكن لكل من
الرجلين حسابات مختلفة مع الحكومة والعهد. ولا مصلحة لهما لمقاطعة الحكومة ودياب والعهد والمضي في حرب مواجهة مباشرة لمعرفتهما انها مكلفة سياسياً وشعبياً ولا تؤدي الغرض المطلوب لهما.
وعلى هذه القاعدة، اعلنت "كتلة المستقبل" مقاطعتها لطاولة النقاش، حول ورقة الحكومة الاقتصادية في بعبدا الاربعاء، لتكرس قطيعة كاملة مع دياب والحكومة والعهد ولتكون حسابات "المستقبل" ذاتية ومتعلقة بحسابات الحريري، وليس لها اي ارتباط بما يشهده البلد من ازمات.
وتكشف اوساط واسعة الاطلاع في 8 آذار ان الورقة التي يقول عنها "المستقبل" انها لم تطرح على اي من الكتل ولم يتم التشاور فيها، قد خضعت للدراسة من جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية وخبراء ومعظمهم يدورون في فلك الحريري سياسياً. كما فتح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بدعوته رؤساء الكتل النيابية الـ14 الى "اللقاء الوطني" في بعبدا، الباب امام التشاور مع رؤساء الكتل لابداء الرأي والملاحظات والتعديلات اللازمة على الخطة، وتأمين التوافق عليها قبل الذهاب الى مجلس النواب لتصديقها واقرارها.
وتشير الاوساط الى ان تذرع "المستقبل" بأن دعوة عون رئاسية وتلغي دور الحكومة ومجلس النواب وتصادر دورهم التشريعي، هو لذر الرماد في العيون ولتبرير المقاطعة لموضوع يعتبر انه وطني ويهم "المستقبل" المشارك في مجلس النواب بفعالية وبكتلة مقبولة من 19 نائباً وعلى هذه الكتلة مسؤولية وطنية في هذا الظرف الصعب.
الرد الصادر من بعبدا مساء امس على اعلان "المستقبل" المقاطعة ظهراً، يؤكد الكباش الحاصل ورغبة "المستقبل" في تصفية الحسابات السياسية مع العهد ودياب. في حين سيكون الحريري وحيداً في المقاطعة غداً ومعزولاً في جبهة معارضة لن يسير اليها جنبلاط برجليه ويعزل نفسه. والذي وفق الاوساط ليس له مصلحة بعدم الحضور شخصياً، بينما يتعامل جعجع بواقعية مع الحكومة والعهد وببراغماتية سياسية. اذ ان السلبية لا تخدم في الشارع في ظل حراك يصوب على الجميع، وفي خضم ورشة نيابية واصلاحية يفترض ان يكون الجميع مشاركاً فيها.
اما غياب الوزير السابق سليمان فرنجية الذي بات محسوماً وفق الاوساط، فإنه لن يعتبر مقاطعة للقاء بعبدا اذ سيحضر نجله النائب طوني فرنجية وسيرأس النائب فريد هيكل الخازن الكتلة "المردوية". وعدم حضور فرنجية اولاً لانه ليس رئيس الكتلة وثانياً للتأكيد على تمايزه واستمرارالخلاف مع عون وباسيل منذ فترة وانقطاع التواصل معهما. لكن هذه القطيعة لا تكربج البلد ولا تعيق تنفيذ الخطة الاقتصادية والاصلاحات المطلوبة.