أسدلت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طاني لطوف، الستارة على فصل من قضية العميل عامر إلياس الفاخوري، بإبرام الحكم المطعون به الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت برئاسة العميد الركن حسين عبدالله، تحت الرقم 515/2020، يوم الإثنين في 16 آذار 2020، بعدما قبلت بالشكل طلب التمييز المُقدّم من مُفوّض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان الخوري، الذي سُجّل يوم الأربعاء في 18 آذار 2020، وردّته أساساً.
45 يوماً، هي المُدّة الزمنية بين صدور حكم "العسكرية الدائمة"، وقبول الدفوع الشكلية المُقدَّمة من وكلاء العميل الفاخوري، وصدور حكم عن "التمييز العسكرية" بإبرامه، بقرارها رقم 105/2020، في جلستها المُنعقِدَة يوم الخميس في 30 نيسان 2020.
ماذا تغيّر؟
عندما صدر حكم "العسكرية الدائمة" برئاسة العميد الركن عبدالله، كانت هيئة المحكمة تتألف إليه من 4 مُستشارين، هم: المدني القاضي ليلى رعيدي، والعسكريين العقيد الركن شادي نخلة، العقيد هيثم الشعار والعقيد إلياس أبو رجيلي.
فيما محكمة التمييز العسكرية هي برئاسة القاضي المدني لطوف، وعضوية 4 مُستشارين عسكريين، هم: العميد خالد زيدان، العميد الركن جورج عكاري، العميد المهندس إيهاب شانوحة والعقيد الركن جورج عبدو.
لدى صدور حكم "العسكرية الدائمة"، قامت الدنيا ولم تقعد، وتعرّضت هيئة المحكمة لإطلاق "راجمات" و"قنص" تركّز بشكل مُباشر على رئيسها العميد الركن عبدالله، الذي أعلن يوم الجمعة في 20 آذار 2020، تنحيه عن رئاسة المحكمة، وهو ما رفضه المجلس العسكري في قيادة الجيش، فأُعيد تمديد هيئة المحكمة رئيساً وأعضاءً لمُدّة شهر - أي من 1 نيسان 2020 وحتى 30 منه، قبل أنْ تتم إعادة التمديد بداية الشهر الجاري حتى نهاية العام 2020.
حينها كان الحديث عن ضغوطات وتهديدات أميركية وصفقات وتسويات.
أما اليوم، فإنّ الحكم في "التمييز العسكرية" صدر بإبرام حكم "العسكرية الدائمة" ذاته، لكن دون ضجيج، فبقي الصمتُ مُطبقاً ولم يُسمَعْ صوت واحد.
هذا علماً بأنّ الولايات المُتّحدة الأميركية استطاعت أنْ تُهرّب وديعتها العميل عامر الفاخوري من السفارة الأميركية في عوكر، عبر طائرة مروحية يوم الخميس في 19 آذار 2020 - أي أنّ تثبيت الحكم من "التمييز العسكرية" وعلى رأس هذه الهيئة قاضٍ مدني، دُرِسَ بعد انتهاء الحديث عن تهديد ووعيد، وأصبح العميل حُرّاً طليقاً في الولايات المُتّحدة الأميركية، وهو وإنْ كان حصل على جنسيتها قبل 4 أشهر من توقيفه في لبنان، يوم الخميس في 12 أيلول 2019، ووفق ما أدلى به المُحقِّق في الأمن العام الذي يحمل الرقم 3653/م، أنّ العميل الفاخوري لدى التحقيق معه كان يقول: "أنا مُواطن أميركي، ومُستغنٍ عن الجنسية اللبنانية".
يومَ أصدرت "العسكرية الدائمة" قرارها، كان حجم الاتهامات والتخوين كبيراً، ما دفع بأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله إلى أنْ يطل عبر شاشة "قناة المنار"، مساء الجمعة في 20 آذار 2020، ويُوجّه كلمة بهذا الشأن، اتسمت بالحديّة، مُبدياً أسفه بأنْ "يأتي يوم اضطررتُ فيه للحديث عن عميل قتل وعذّب أهلنا وإخوتنا، وهذا من نكد الدهر"، مُؤيّداً "الدعوات التي تُطالب بلجنة تحقيق قضائية حول هذه القضية وشرحها للناس!".
لكن لماذا لم يتطرّق السيد نصر الله إلى تصديق "التمييز العسكرية" حكم "العسكرية الدائمة"، في إطلالته مساء اليوم التالي، الجمعة في 1 أيار 2020، وإنْ كانت دينية؟
فهل يتطرّق إلى ذلك، في إطلالته المُتلفزة اليوم (الإثنين)، التي سيتناول فيها ملفات سياسية مُتعدّدة، في طليعتها القرار الألماني الأخيرة بحظر نشاطات "حزب الله" على الأراضي الألمانية، وتبعات ذلك بعلاقة الحزب وبعض الدول الأوروبية، التي كانت تُميّز بين جناحيه السياسي والعسكري.
من حق الأسرى المُحرّرين أو الشهداء منهم، الذين اكتووا بسوط الجلاد العميل الفاخوري، وغيره من العملاء الذين شكّلوا أعيناً تزوّد العدو بـ"بنك معلومات" استثمره ضد المُقاومين والمُواطنين، أنْ يُكرّموا لا أنْ يستمرّوا في مُعاناتهم، وهم يُشاهدون أنّ جلاديهم يخرجون بفعل مرور الزمن العِشري، وغداً ربما تكون هناك قرارات إسقاط استناداً إلى ذلك، عن قضايا تعامل مع العدو أو الإرهاب، وتكون موضع سجال إذا لم يتم تدارك الأمور.
الأسئلة المشروعة التي تُطرَح، لماذا خرج العميل الفاخوري، وكيف خرج، ومَنْ يتحمّل المسؤولية، وما هي احتمالات خروج عملاء وإرهابيين في مراحل لاحقة، كما جرى سابقاً مع آخرين؟
الجميع بات يُدرك أنّه بيد المُشرِّع في مجلس النوّاب الحل بتعديل القانون اللبناني، بما يتعلّق بالعقوبات وأصول المُحاكمات الجزائية.
فقد قرّرت محكمة التمييز العسكرية عندما التأمت برئاسة القاضي لطوف في غرفة المُذاكرة، يوم الخميس في 30 نيسان 2020 بقرار رقم 105/2020، بالإجماع، قبول طلب النقض بالشكل، لكن ردّته في الأساس، مُعلّلةً ذلك لأسباب أربعة، مع إبرام الحكم المطعون به.
جاء في نص قرار محكمة التمييز العسكرية التي حصلت عليه "اللـواء":
"اجتمعت محكمة التمييز العسكرية في الجمهورية اللبنانية مُؤلّفة من: الرئيس القاضي طاني لطوف والمُستشارين: العميد خالد زيدان، العميد الركن جورج عكاري، العميد المُهندس إيهاب شانوحه والعقيد الركن جورج عبدو، وجرى التدقيق في طلب النقض المُقدم بتاريخ 18/3/2020 من طالب التمييز ضد القرار الصادر بتاريخ 16/3/2020 عن المحكمة العسكرية الدائمة، فتلا الرئيس المُقرّر القاضي طاني لطوف التقرير الذي وضعه، وتُليت مُطالعة النيابة العامة، ثم تذاكرت الهيئة بمُقتضى القانون وحضور الكاتب الرقيب سحر السيد... أُعلن قرار المحكمة الآتي:
"باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة التمييز العسكرية
لدى التدقيق والمُذاكرة:
تبيّن أنّ مُمثِّل النيابة العامة التمييزية لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان الخوري تقدّم بطلب نقض بتاريخ 18/3/2020 ضدّ الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة بتاريخ 16/3/2020 والقاضي بكفّ التعقّبات عن المُتّهم عامر إلياس الفاخوري بالنّسبة إلى جرائم المواد 549 و549/201 و569 عقوبات لسقوط دعوى الحق العام بمُرور الزمن العشري سنداً للمادة 10 أ.م.ج.
1- في الشكل:
وحيث يقتضي على ضوء ما تقدّم قبول طلب النقض المُقدّم من مُفوّض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية شكلاً..
2- في الأساس:
حيث إنّ مُفوّض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية يُدلي بأنّ المادّة 75 ق.ع تُعطي لمُفوّض الحكومة صلاحية نقض الأحكام القاضية بسقوط دعوى الحق العام لأي سبب كان وتِبعاً للأسباب الواردة في المادة 74 ق.ع، وهي الخطأ في تطبيق المواد القانونية أو إهمال إحدى المُعاملات الجوهرية المنصوص عنها تحت طائلة الإبطال، وهي مُتوافرة في الحكم المطلوب نقضه لعدّة أسباب على الشكل التالي:
* السبب الأول:
إهمال إحدى المُعاملات الجوهرية لعدم تلاوة القرار الإتهامي وكافة الأوراق ممّا يُؤدي إلى الإبطال:
وحيث إنّه يخلص إلى أنّه كان على المحكمة العسكرية الدائمة، على ضوء ما تقدّم أعلاه، الفصل في مسألة الدُفوع الشكلية بعد تلاوة قرار الإتهام ووضع الأوراق قيد المُناقشة، وهذا ما لم يحصل، ممّا يعرّض قرارها للإبطال لعدم مُراعاة مُعاملة جوهرية.
وحيث إنّ المادة 243 أصول مُحاكمات جزائية تنص أنّه على المحكمة قبل الفصل في موضوع الدعوى أنْ تبت بدفع عدم الصلاحية وباقي الدفوع الشكلية التي يُدلي بها فرقاء الدعوى، وهذا النص هو النص العام الواجب التطبيق في كل ما لم يرد عليه نص خاص في قانون القضاء العسكري، وحيث إنّ النص الخاص الوارد في المادّة 60 ق.ع يتناول فقط موضوع الصلاحية فأوجب على المُدّعى عليه أنْ يُدلي بعدم الصلاحية فور تلاوة قرار الإتهام وسائر الأوراق تحت طائلة رد طلبه وأوجب على المحكمة البتّ بهذا الدفع فوراً بعد تلاوة الأوراق ولم يأتِ على ذكر باقي الدفوع الشكلية.
وحيث إنّه سنداً للمادّة 33 ق.ع التي تنص على إخضاع المُحاكمات وإصدار القرارات لقانون أصول المُحاكمات الجزائية باستثناء النصوص المُخالِفة الواردة في هذا القانون والمادة 54 ق.ع يقتضي تطبيق قواعد أصول المُحاكمات الجزائية في كل ما لم يرد عليه نص خاص في هذا القانون.
وحيث إنّ البت بأي من الدفوع الشكلية ما خلا دفع عدم الصلاحية الذي ورد عليه نص خاص في قانون القضاء العسكري يخضع لقواعد أصول المُحاكمات الجزائية، ويعود للمحكمة أنْ تبت بأي منها قبل الفصل في موضوع الدعوى وفقاً لما نصّت عليه المادة 243 أصول مُحاكمات جزائية.
وحيث إنّ المحكمة العسكرية الدائمة لم تكن مُلزمة، بالتالي بما نصّت عليه المادة 60 ق.ع لجهة تلاوة قرار الإتهام وسائر الأوراق قبل البت بالدفوع الشكلية التي أثارها المُدعى عليه بواسطة وكلائه ويقتضي رد هذا السبب لعدم قانونيته.
* السبب الثاني:
القرار لم يتضمّن عناصر فرضتها أحكام المادّة 70 ق.ع تحت طائلة البطلان لجهة الأسئلة المطروحة والقرارات المُتّخذة بشأنها بالإجماع أو بالأكثرية:
وحيث إنّ المحكمة العسكرية الدائمة، وبعد أنْ أجابت على المسألة المطروحة أمامها لجهة قبول الدفع الشكلي لمُرور الزمن العشري بالنسبة إلى الجرائم المُسنَدة إلى المُتهم وإعلان سقوط دعوى الحق العام، لم يعد من ضرورةٍ لطرح الأسئلة الأخرى، سنداً لنص المادة 67 ق.ع، وحيث يقتضي على ضوء ما تقدّم رد هذا السبب لعدم قانونيته.
* السبب الثالث:
حصول خطأ في تطبيق القانون المُوجب التطبيق:
حيث إنّ مُفوّض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية يُدلي بأنّ القرار المطعون فيه قضى بتطبيق أحكام القانون الجزائي اللبناني رغم إشارته إلى أحكام المادة 2 أصول مُحاكمات مدنية التي تنص على تقديم أحكام المُعاهدة الدولية على أحكام القانون العادي، بخلاف القرار الإتهامي الذي استند إلى القانون الدولي الإنساني والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمُعاهدات والإتفاقيات والقرارات المُرتبطة بالجمعية العامة للأُمُم المُتّحدة للقول بأنّ الأفعال المُسندة للمُتهم هي جرائم حرب ضد الإنسانية غير قابلة للسقوط بمُرور الزمن.
حيث إنّ المادة 2 أصول مُحاكمات مدنية تنص على أنّه عند تعارض أحكام المُعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدّم في مجال التطبيق الأولى على الثانية.
وحيث إنّ مبدأ سمو أحكام المُعاهدات الدولية على القانون العادي المنصوص عنه في المادة 2 أصول مُحاكمات مدنية يوجب التدقيق في الوضعية القانونية لهذه المُعاهدات، وهل يُمكن اعتبارها بالمُطلق مصدراً للتشريع خصوصاً لجهة القوانين الجزائية وتحديد الجرائم وتعيين العقوبات على ضوء القاعدة القانونية المُكرّسة دستورياً لجهة لا جريمة ولا جزاء إلا بناءً على نص قانوني.
وحيث إنّ المفهوم القانوني للمُعاهدة الدولية هو أنْ تكون مُوقّعة من الدولة اللبنانية، ومُصادق عليها رسمياً حتى تكتسب مفهوم المُعاهدة المقصود بالمادة 2 أ.م.م وتسمو بالتالي على القانون العادي، أما لجهة اعتبارها مصدراً للتشريع فلا يُمكن اعتماد مفعول آني لهذه المُعاهدات خصوصاً عند تعارضها مع أحكام القانون الداخلي، بالرغم من التسليم بمبدأ تسلسل القواعد القانونية بل يبقى لِزاماً على الدولة التي ارتبطت بمُعاهدة دولية تعديل نصوص القانون الوضعي الداخلي، بما يتلاءم مع أحكام هذه المُعاهدة، وهذا ما سار عليه الاجتهاد اللبناني والفرنسي وما فرضته أيضاً إتفاقية جنيف، التي تتناول حقوق الإنسان الأساسية في الحرب من ضرورة اتخاذ لأطراف المُوقّعة عليها ما يلزم من إجراءات تشريعية لفرض عقوبات.
وحيث إنّ لبنان صادق على اتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949، ثم انضم إلى البروتوكولين الإضافيين للعام 1977، لكنه فقط لم ينضم إلى اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المُرتكبة ضد الإنسانية للعام 1968 ولا لمُعاهدة روما للعام 1998 - أي المحكمة الجنائية الدولية التي دخلت حيز التنفيذ في 1/7/2000، فهل يستطيع مُلاحقة جرائم القانون الدولي الإنساني من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية وجريمة العدوان، من دون أنْ يُقدِم على تعديل قانون العقوبات ليشمل هذه الجرائم ويفرض عليها عقوبات مُحدّدة.
وحيث إنّه تطبيقاً لمبدأ "لا جريمة دون نص"، لا تستطيع المحاكم اللبنانية حالياً مُلاحقة انتهاكات القانون الدولي الإنساني، التي لا تخضع لمُرور الزمن ولا تعتد بالحصانات الرسمية، لأنه غير منصوص عنها في قانون العقوبات، كما أنّ لبنان ليس صاحب اختصاص لمُمارسة الاختصاص الشامل، حيث تلتزم كل دولة بمُلاحقة المُتّهمين باقتراف مُخالفات جسيمة كالتعذيب أو المُعاملة اللاإنسانية أو النفي والحجز غير المشروع إلخ، رغم أنّه مُلزم باحترام تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1261 تاريخ 25 آب/أغسطس 1999، الذي ألزم كافة الدول بوضع حدٍّ للإفلات من العقاب ومُلاحقة مُرتكبي الانتهاكات الفظيعة لاتفاقيات جنيف للعام 1949.
وحيث إنّه لا يُمكِن بأي حالٍ من الأحوال تحميل المحاكم اللبنانية على تنوعها من عادية أو استثنائية ومهما علت دَرَجَتها، مسؤولية التقصير التشريعي المسؤولة عنه الدولة اللبنانية أخلاقياً، لعدم مُقاضاة مُجرمي الحرب من خلال تعديل قانون العقوبات اللبناني لإدراج جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وعدم إخضاعها مبدأ مُرور الزمن.
وحيث إنّه فضلاً عن ذلك، فإنّ مُرور الزمن الجزائي في القانون اللبناني، يتعلّق بالنظام العام، وقد أكد المُشرع اللبناني على تمسّكه به كسبب من أسباب سقوط دعوى الحق العام، عندما استُثنِيَ من أحكام تعليق المُهَل في المادّة السادسة من قانون العفو رقم 84/91، تعليق مهلة مُرور الزمن على الجنايات المُرتكبة قبل نفاذه، في حين أبقاها سارية المفعول على الحق الشخصي الناتج عن الجناية، وهو بالتالي لا يخضع بدوره للقاعدة المُحدّدة في المادّة الثانية أصول مُحاكمات مدنية، ويكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الداخلي اللبناني وتحديداً أصول المُحاكمات الجزائية، ويُمنع بالتالي على المحكمة استبعاد نص قانوني نافذ بحجّة تطبيق نص مُعاهدة، وهذا ما استقرَّ عليه الاجتهاد اللبناني عموماً والمحكمة العسكرية خصوصاً لجهة تطبيق أحكام مُرور الزمن وفق أحكام أصول المُحاكمات الجزائية متى توافرت شروطه القانونية.
وحيث إنّه على ضوء ما تقدّم سابقاً يصبح من المُتعذّر على المحكمة إهمال نص المادّة 2 أصول مُحاكمات مدنية وتكون المحكمة العسكرية الدائمة قد أحسنت بتطبيق القانون لهذه الجهة، ويقتضي رد هذا السبب لعدم قانونيته.
* السبب الرابع:
الخطأ في تطبيق الأحكام القانونية لتحديد مهلة مُرور الزمن العشري:
حيث إنّ مُفوّض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية يُدلي بأنّ الحكم المطلوب نقضه استند إلى المادة 10 أصول مُحاكمات جزائية لتحديد تاريخ بدء سريان مُرور الزمن، على الجرائم الآنية، من تاريخ وقوعها وأنّه بخصوص جرم تعذيب وخطف وإخفاء الأسير علي حمزة لا يُوجد تحديد من المحكمة بتاريخ انتهاء الحالة الجرمية بخصوصه ولا حتى بخصوص الأسيرين إبراهيم أبو عزة وبلال السلمان، لأنّ مصيرهما لم يُحدّد لتاريخه بشكل تام ورسمي، إنّما جاء بقناعة ذاتية من المحكمة دون الاستناد إلى إثبات مادي، وبالتالي نكون أمام جريمة مُستمرّة بخلاف ما ذهب إليه القرار المطعون فيه.
حيث إنّ المادة 10 أصول مُحاكمات جزائية تنص في الفقرة "ج" منها، أنّ دعوى الحق العام تسقط بمُرور الزمن مُدّة عشر سنوات على الجناية وثلاث سنوات على الجنحة وسنة على المُخالفة ثم تُضيف في الفقرة "د" أنّه يبدأ سريان مُرور الزمن في الجرائم الآنية من تاريخ وقوعها أما في الجرائم المُستمرّة أو المُتمادية أو المُتعاقبة فلا يبدأ إلا من تاريخ انتهاء الحالة الجرمية.
وحيث إنّ القرار الاتهامي اتهم المُدّعى عليه عامر إلياس الفاخوري بموجب المواد 549 و549/201 و569 ع - أي جرائم القتل ومُحاولة القتل والخطف.
وحيث إنّ جرم القتل وجرم مُحاولة القتل يُعتبر من الجرائم الآنية التي يبدأ سريان مُرور الزمن عليها من تاريخ حصولها مادياً وواقعياً - أي من تاريخ حصول عملية القتل أو مُحاولة القتل.
وحيث تبيّن من القرار الاتهامي والتحقيقات التي تولاها قاضي التحقيق العسكري أنّ المُدّعى عليه الفاخوري تولّى إمرة "سجن الخيام"، وأقدم خلال توليه هذه الإمرة على قمع بعض احتجاجات الأسرى بالعنف والقوة، وقد أدّت أعمال القمع خلال "انتفاضة 1989" إلى وفاة الأسيرين إبراهيم أبو عزّة وبلال السلمان وأوشك العديد من الأسرى على الموت.
وحيث إنّ القرار الاتهامي خلص بالتالي إلى تحديد تاريخ فعلي لحصول جرمَيْ القتل ومُحاولة القتل هو سنة 1989 خلال "انتفاضة الأسرى" في "سجن الخيام"، وبالتالي تبدأ مُدّة سريان مُرور الزمن على هذين الجرمين من سنة 1989 المُحدّدة في القرار الاتهامي.
وحيث إنّ المحكمة أحسنت في تطبيق القانون لجهة اعتبار هذين الجرمين ساقطين بمُرور الزمن لانقضاء حوالى الثلاثين سنة على وقوعهما بالاستناد إلى إثبات مادي أكد عليه القرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق العسكري بصراحة ووضوح لا لبس فيه وليس على قناعة ذاتية للمحكمة فقط.
وحيث إنّه بخصوص تعذيب الأسير علي حمزة ومن ثم خطفه وإخفائه، فتبيّن من التحقيقات التي أجراها قاضي التحقيق العسكري وإفادات الشهود الذين استمع إليهم، خصوصاً الشاهدين يوسف ترمس وأنور ياسين، الذي أورد نقلاً عن السجين عصام عواضة وآخرين كانوا مُتواجدين سنة 1985 في المُعتقل، أنّ المُدّعى عليه عامر الفاخوري أخرج علي عبدالله حمزة من المُعتقل بسيارته وكان علي يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وحيث تبيّن من جواب مُديرية المُخابرات بناء على تكليف المحكمة العسكرية الدائمة، أنّ المعتقل علي عبدالله حمزة تُوفي في العام 1985، داخل "سجن الخيام" من جرّاء تعرّضه للتعذيب من قِبل العملاء، ومن جواب المُديرية العامة للأمن العام أنّ علي استشهد بعد تعرّضه للتعذيب في "مُعتقل الخيام" وربطه على عمود في ساحة المُعتقل.
وحيث إنّ عدم العثور على جثة الأسير علي عبدالله حمزة أو معرفة مكان دفنه، الذي يُمكنه أنْ يحسم بشكل تام ورسمي مصيره، لا يمنع المحكمة من الاستناد إلى وقائع أخرى سواء مُثبتة بتقارير أمنية أو مُستقاة من أقوال شهود كانوا مُتواجدين عند تعذيبه ولفظه أنفاسه الأخيرة، أو من عدم ورود إسمه في جميع عمليات تبادل الأسرى مع "إسرائيل" وتحرير مجموع الأسرى من السجون الإسرائيلية لتحديد مصيره.
وحيث إنّ اجتهاد محكمة التمييز العسكرية استقر واستمرَّ على اعتبار أنّ تقدير الوقائع يعود بصورة مُطلقة لمحكمة الأساس التي تبني قناعتها على أدلة أو قرائن أو وقائع أو إفادات أو حتى استنتاجات تستخرجها من مُجمل هذه الوقائع والقرائن والإفادات دون أن تكون مُلزمة ببيان الدليل على صحة قناعتها ودون رقابة من المحكمة العليا على صحة قناعتها.
وحيث إنّه يقتضي على ضوء ما تقدّم رد هذا السبب لعدم قانونيته.
لـــذلك
تُقرِّر المُحكمة بالإجماع:
1- قبول طلب التمييز شكلاً.
2- ردّه أساساً وإبرام الحكم المطعون فيه".