اعتدنا جميعاً مشاهدة مسلسلات محلية وغربية، منها ما يطول لسنوات، ومنها ما ينتهي بعد موسم او اثنين. ولانه من الطبيعي ان يكون لكل شيء نهاية، كان من المنطقي اعتبار ان مسلسل الحكومة ومحاربة الفساد في لبنان سينتهي آجلاً وليس عاجلاً. بداية المسلسل بدأت منذ الستينات، ولم تنفع قراءة الغيب من قبل المبصّرين، ولا الخطط الموضوعة من قبل اهل الاختصاص، ولا المواقف الصلبة التي اتخذها المسؤولون على مرّ عقود من الزمن، في وضع السيناريو الحقيقي لنهاية هذا المسلسل الذي لا يبدو ان ملامح نهايته تلوح في الافق. بالامس، اقرّت الحكومة سلسلة خطوات لمكافحة الفساد، وألمحت الى انها تعلّق عليها الآمال الكبيرة لارضاء الخارج لاستدرار الاموال والدخول في مسار الخروج من النفق الاقتصادي والمالي المظلم. ولكن التجارب اثبتت ان الحسابات لا تنطبق دائماً مع الواقع، فإجراءات مواجهة الفساد والفاسدين تتطلب هيكلاً متيناً قوامه القضاء والتوافق السياسي لعدم تغطية احد، وابعاد الطائفية عن القرارات الجريئة التي يجب اتخاذها، فلا يختبئ اي شخص تثبت عليه تهمة الاختلاس او الهدر او السرقة او الاستفادة من منصبه مهما علا شأنه، خلف طائفته ليبدو وكأنه حمل وديع مستهدف من قبل ذئاب تريد تقليص حجم الطائفة ودورها في المجتمع اللبناني.
يبدو ان الحكومة بالغت بعض الشيء في اعداد نفسها لمعركة الفساد، فهي وضعت خططاً كثيرة واقتراحات ومشاريع عديدة تهدّد بضياع البوصلة والاكثار من الاهداف دون القدرة على تنفيذ اي منهاـ فهل بمقدور اللجنة التي ستؤلفها الحكومة لاجراء مسح شامل لاموال الشخصيّات التي تبوّأت مناصب رسمية في الدولة، ان تسمّي اسماء كبيرة اذا ما ثبتت بالفعل التهم التي تحوم حول هذه الشخصيات منذ سنوات طويلة، دون القدرة على اتّخاذ اي موقف رسمي ولو كان بسيطاً الى حد توجيه الاتهام فقط؟ هل سيتحمّل الجسم القضائي ومن خلفه الجسم السياسي قراراً بمثل هذا الحجم لتنفيذه؟.
التجارب ليست مشجعة بتاتاً، ولكن الاهم ان الوضع تغيّر واصبحنا اليوم في دوّامة المجهول، ويجب اتخاذ قرار اما بالسقوط السريع نحو المجهول، واما بمحاولة التشبّث بحافة الانقاذ للوصول اليها واستعادة النشاط والابتعاد قدر الامكان عن هذه الدوّامة. واثباتاً لصعوبة الامر، يكفي النظر الى الحضور على طاولة قصر بعبدا اليوم في الدعوة التي وجّهت لبحث الخطّة الاقتصاديّة، بعد ان ظهر ان خلفيّة التعاطي سيّاسية ولا تتعلق بالاقتصاد والمال، وان الرغبة هي في ابقاء الشرخ قائماً بين مكوّنات الاطراف السّياسية في لبنان والانقسام بين المراهنين على نجاح الحكومة (نكاية بالمعارضين)، وفشلها (نكاية بالموالين والمتضامنين)، فيما اصبحت الصورة اكثر وضوحاً في انّ طريق الانقاذ يمرّ حتماً بصندوق النقد الدولي انما ضمن مفاوضات وليس لتنفيذ شروط موضوعة مسبقاً.
ليس لمسلسل الحكومة ومكافحة الفساد ان ينتهي، ولو ان الفرصة اليوم هي الامثل لوضع سيناريو النهاية، لكن هذا المرض المتأصّل مدعوم من عناصر داخليّة من شأنها انهاك الجسم اللبناني الهشّ، ومن انجح الرهانات واكثرهامردوداً هو ان كل الادلّة والاثباتات في حقّ اي شخصيّة رسميّة (سابقة او حالية) على قدر كبير من الاهميّة، لن ترى النور، وستبقى اكثر غموضاً من جريمة قتل الرئيس الاميركي الأسبق جون كينيدي، لان خطورة اعلانها تبقى اكبر بكثير من محاولة "غض النظر" عنها والاكتفاء ببعض الاشخاص المحددين واصحاب الادوار الاقل اهمية في سلّم الفساد والهدر، وفي الوقت نفسه سيعطي الحكومة جرعة معنوية تقدمها الى الخارج لاثبات نفسها والحصول على جوائز الترضية الضرورية م اجلل للاستمرار بالحد الادنى من مقومات الحياة، وعدم الغرق في المجهول.