الفاسدون يُصلّون كي يبقى "كورونا"، ويراهنون على بقائه وانتشاره لتعطيل القضاء.
يظنّون أنّ الوباء القاتل سينقذهم من يوم الـحساب، وأنّ خلافات أهل السلطة ستعطّل تشكيل الـمحكمة الـخاصة لـمكافـحة الفساد.
نطمئنكم أيـها الفاسدون، يوم الـحساب آتٍ، مهما طال الوقت وكثـرت العراقيل، وكل مَن مدّ يده إلـى الـمال العام، سيُحاسَب أمام القضاء الـمختصّ.
قد ينسى الناس "فيـروس الفساد" إلـى حيـن، لأن حياتـهم أغلـى من الـمال الـمنهوب، وقد يـمكث الوباء فـي ربوعنا فتـرة من الزمن، ولكنه لـن يدوم.
فكما إنتصر الطبّ على الطاعون والكوليـرا والإنفلونزا الأسبانية، سينتصر على "كورونا"، ومهما تأخّرت التشكيلات القضائية، وكثـرت التدخّلات السياسية، سينتصر القضاء على السياسيـيـن.
إنّ تـحصيـن مـجلس القضاء الأعلـى للعب دوره كاملاً، وتـحيـيد القضاء عن التدخّلات السياسية ومنحه إستقلالية تامة، يشكّلان حجر الأساس فـي معركة مـحاسبة الفساد. فـمهمّة القضاء فـي هذه الـمرحلة الـمصيـرية، هي مهمّة إنقاذية، والـمحكمة الـخاصة الـمخصّصة بالـجرائـم الـواقعة علـى الـمال العام، والتـي وعدنا بـها رئيس الـجمهورية، هي الأمل الوحيد فـي إنقاذ ما تبقّـى من وطن، فـخزينة الدولة التـي نـهبها وأفرغها الفاسدون من أهل السلطة وأتباعهم طوال ثلاثيـن سنة، لـن يساعدها أحد، لا العرب ولا العجم، بعدما إنزلقت السلطة الـحاكمة بعيداً فـي معاداة الدول الصديقة، وانـحرفت إلـى مـحور يُعاديه العالـم، وبعدما إنـهارت الأسواق الـمالية والبورصات واقتصادات أقوى الدول الصناعية.
وبـما أنّ نظامنا وقوانينـنا لا تسـمح لنا باستـرداد الأموال الـمنهوبة على الطريقة السعودية أو السورية، فلم يبق أمامنا سوى فرصة واحدة، أن تـتشكّل "الـمحكمة الـخاصة" من قضاة يُشبهون القاضي الإيطالـي جيوفانـي فالكونـي، وإلّا سنبقى فـي قعر الـهاوية ولا سبيل إلى الـخلاص، ولا مـجال لوقف الإنـهيار، ما لـم تقـم السلطة القضائية الـمستقلّة.
فـي لبنان، لدينا قوانيـن جيدة، ولكنها تـحتاج إلى تعديل، ولدينا قضاة شرفاء، ولكنهم يـحتاجون إلـى حصانة واستقلالية.
67 عاماً صار عمر قانون "الإثـراء غيـر الـمشروع" ولـم تُسجّل أيّ شكوى أمام القضاء بـجرم الإثراء غيـر الـمشروع، لا لعدم وجود سارقيـن، وليس لأن أحداً لـم يُراكم ثروته بطريقة غيـر مشروعة، بل لأن القانون وُضع كي لا يُطبّق، إذ أنّ توثيق الرشوة، وإثبات كيفية إستـثمار الوظيفة يكاد يكون مستـحيلاً، وعلى الشاكي أن يُثبت صفته ومصلحته وأن يُرفق شكواه بكفالة مصرفية بقيمة 25 مليون ليـرة. وفـي حال خسارة الدعوى يُغرّم الشاكي بـمبلغ لا يقلّ عن 200 مليون ليـرة، وبالسجن من 3 أشهر إلـى سنة، ويدفع تعويضاً عن الأضرار التـي لـحقت بالـمشكو منه من جرّاء تقديـم الشكوى، وهذا يعـنـي "مـمنوع الـمسّ بالسارقيـن". فـهل ستُطبّق الشروط نفسها على قانون "إستعادة الأموال الـمنهوبة" ؟ وهل الـمقصود وضع قوانيـن غيـر قابلة للتطبيق؟ ألا يكفـي سؤال كل مسؤول وموظف ومتعهّد عمل سابقاً أو يعمل حالياً فـي القطاع العام : من أيـن لك هذا ؟
من أيـن أتيتَ بـهذه الأموال والأملاك والعقارات والسيارات الفاخرة وحياة البذخ ؟
كم كنتَ تـملك قبل أن تكون مسؤولاً وقبل أن تتعاطـى فـي الشأن العام ؟ وكم تـملك الآن ؟
صدِّقونـي، لـن تـجدوا جواباً واحداً مُقنعاً لدى الغالبية الساحقة من هؤلاء الأثرياء واللصوص الـمارقيـن.
لقد سرق "كورونا" وهج الثورة وزخـمها واستغلّت السلطة إنكفاء الثوار، فأزالت الـخيـم وآخر معالـم الإنتفاضة، ولكنها لن تستطيع إزالة روحية الثورة ولا أهدافـها النبيلة. الثورة عائدة ولا ريب، وبسخطٍ أكبـر، لأنّ الأسباب التـي أشعلتـها ما زالت تفرض نفسها بقوة، لا بل إزدادت عن ذي قبل.
لـن تـمرّ الـمحاصصة فـي التعيـيـنات الإدارية والـمالية، ولـن يتـراجع مـجلس القضاء الأعلـى عن التشكيلات القضائية. فالثورة مستـمرّة، ولـن تـخمد حتـى إستـرداد الأموال الـمنهوبة من كل سارق مدّ يده إلـى أموال الدولة والشعب، وحتـى تـحقيق كل الـمطالب. لقد علّمنا التاريـخ أنّ الثورات تسيـر على البطون الفارغة، وأنتـم يا أهل السلطة والنفوذ، بفضل جشعكم وطمعكم ونـهبكم للمال العام، لـم يـبقَ فـي لبنان سوى بطون فارغة وأفواه جائعة. فـجائـحة الفساد سبقت جائـحة "كورونا" بعشرات السنيـن وقضت على العمران والبنيان وعافية الوطن.
صدَق أرسطو حيـن قال : "الفقر هو أصل الثورة والـجريـمة".