ما حصل منذ بداية العام 2020 حتى اليوم شكّل غرابة لدى اللبنانيين، اذ يبدو أن المثل القائل بأن المصائب لا تأتي فرادى، هو مثل صحيح، كغالبية الأمثال الشعبيّة، فمنذ بداية العام واحوال لبنان تسوء، وآخر مفاجآت السنة لم تكن أزمة الكورونا التي ضربت كل العالم، بل "رشقات" الهزّات الأرضية التي ضربت لبنان وشعر بها السكان.
هزّة بداية شهر نيسان الماضي، 10 هزّات أرضية في منتصف الشهر المذكور، وحوالي 13 هزّة في الثلث الأخير منه، واغلب هذه الهزات التي أعلن عنها المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، قد حُدد موقعها في البحر شمالي مدينة اللاذقية في سوريا، وشعر بها المواطنون في مختلف المناطق اللبنانية، مع الإشارة الى أن أقوى هزّة حصلت بلغت قوتها 4.8 على مقياس ريختر. فما الذي يحصل وهل أصبح وقوع الزلزال قريبا؟!.
"لا يتأثر لبنان من قريب أو بعيد بما يجري مقابل الساحل السوري، كون الهزّات هناك متعلّقة بفوالق تختلف عن تلك التي يتواجد عليها لبنان"، يؤكد رشيد جمعة من مركز بحنس لرصد الزلازل والهزّات، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أنّ كل الكلام الذي انتشر على مواقع التواصل، بشأن اقتراب حصول الزلازل في لبنان، ليس دقيقا ولا يتحمّل المركز مسؤوليته.
يقع لبنان على خط زلازل ثانوي وهو يمر بفالق اليمونة، ويأتي من تركيا حتى البحر الميت وصولاً إلى البحر الأحمر، ويتفرع منه فالق روم في الجنوب اللبناني وعدة فوالق تصل حتى كسروان وبيروت وبعلبك، وهذا الفالق تحرّك بزلزال مدمّر عام 1202، كما يقترن موقع لبنان بفالق بحري، تحرك بزلزال مدمّر عام 551، وبالتالي اذا كان الحديث عن أقوى الزلازل فإن الفارق الزمني بينهما كبيرا.
تشير بعض الدراسات الى أن الزلزال هو كارثة تتكرر مكان حصولها، ولكن من غير الممكن معرفة الوقت الدقيق لهذا الأمر، وبالنسبة الى جمعة، فإن بعض الدراسات التي نُشرت تحدّثت عن 250 عام، وهي تملك نسبة خطأ تصل الى 100 عام، مشددا على أن هذا الرقم يأتي في سياق دراسات أجريت ولكنه لا يُعتبر رقما نهائيا أو دقيقا، اذ ربما يحصل الزلزال في لبنان اليوم، وربما يحصل بعد مئة عام، وربما يحصل بعد الف عام، ولكن الأكيد بحسب الشواهد التاريخية والدراسات أنه سيحصل.
إن الخوف الذي انتشر بخصوص وقوع زلزال مردّه الى مرور 261 عاما عن الزلزال الذي ضرب لبنان عام 1759 عندما سقطت ثلاثة أعمدة من هيكل جوبيتر في بعلبك، ولكن هذا الأمر يبقى في إطار التوقعات، ولا يمكن التنبؤ بحصول زلزال.
وفي هذا السياق يقول جمعة: "تعرضنا في لبنان لزلازل مدمرة وهذا يعني أن وضع الزلازل في لبنان ناشط، وبالتالي سيتعرض لبنان لزلزال، وما يمكن للبنانيين فعله هو التحضر له وتربية الأجيال على كيفية التعامل مع الكوارث الطبيعية، خصوصا أن الزلزال هو الكارثة الطبيعية الأقسى والأشدّ أثرا"، مشيرا الى أن اليابان بعظمتها لم تتمكن من توقع زلزال 2011، ولم تنجح بتوقع حجم التسونامي الذي ستتعرض له.
بالنسبة الى التسونامي، فهي أيضا قد تحصل في لبنان، وذلك بحال تحرك الفالق البحري، أو ضرب الزلزال عمق الأراضي اللبنانية بمسافة لا تبعد عن البحر اكثر من 30 كيلومترا، مع الإشارة الى أن هذا الامر قد يسبب تسونامي ولكن ضعيفة. وفي هذا السياق يشير جمعة الى أن وقوع التسونامي يعطينا حوالي 10 دقائق للتحضر له قبل وصوله الى الشاطىء، وهذا كفيل بإتاحة المجال لدعوة الناس للإبتعاد عن البحر.
اذا، لا داعي للعيش بقلق، فلو عاش اليابانيون مثلا بخوف يومي من حصول زلزال لما حققوا التقدم الذي يعيشون به اليوم، وبالتالي ما على اللبنانيين الا تعزيز ثقافة التعامل مع الهزات والزلازل، وما على الدولة الا أن تولي مسألة "إدارة الكوارث" الاهتمام اللازم.