التخطيط الصحيح اليوم هو ما سيؤدي الى ترك ورثة «حرزانة» للأجيال القادمة. وسأعدّد أربعة محاور من الضروري ايصالها الى جيل المستقبل.
ـ أولاً، النقطة الأهم هي «الثقة» باقتصاد البلد، وأعني بذلك أن يطمئن المستثمر الى أنّه لن يُظلم، وأنّ المودع لن تُسرق ودائعه.
وأكرّر انّ الثقة بالمصارف يجب ان تكون الركيزة الأساسية، فإذا اعطى المصرف فوائد عالية في فترات معينة، لا يحق له ان يستعيد قسماً منها اليوم. انّ هذا غير مقبول على الإطلاق، وهو يدّل الى عدم كفاية ومسؤولية لدى المصرف. واذا فُرض عليه ذلك من البنك المركزي، فمن واجبه الرفض وفضح الموضوع أمام الشعب، لأنّ هذه سرقة موصوفة وواضحة.
ـ ثانياً، من غير المقبول ان نورث الأجيال «الدين» والمطلوب التركيز على الإنتاج والإيرادات المستدامة لسدّ الديون .
ـ ثالثاً، عدم توريثهم نظاماً يفرض ضرائب مرتفعة، لأنّ ذلك لم ينجح في اي مكان في العالم، لا بل على العكس، كان له أثر سلبي عميق، كما أنّه يؤدي الى «تهشيل» المستثمر وإنهاء تنافسية لبنان.
ـ رابعاً، بالنسبة الى أراضي الدولة وأملاكها، وهناك نظريات ترفض المسّ بها بحجة تركها للأجيال القادمة، ولكن لمَِ سنتركها؟ أليس بهدف استخدامها في وقت الأزمة او كما نقول في العامية «الحشرة».
وعلى سيرة «الحشرة»، أسرد هنا قصة طريفة عن احد قطّاع الطرق المعروفين في الثلاثينات من القرن الماضي. إنّه في احد الأيام اعترض سيارة على الطريق وبدأ بسرقة الاشخاص الموجودين فيها، وفيما هو يفتش الركاب اكتشف أنّ أحدهم يحمل مسدساً، فقال الراكب صاحب المسدس: «خذ كل المال وكل ما أملك ولكن رجاءً اترك لي المسدس».
فأجابه قاطع الطريق: «ولماذا تحتاج المسدس؟»
قال الراكب: «لوقت الحشرة».
فأجاب قاطع الطريق: «بدّك حشرة أكتر من هالحشرة»؟
نحن اليوم في «حشرة» حقيقية، وأملي الّا يمرّ بلدنا بحشرة مثل هذه الحشرة، فاذا كان هناك حلول أفضل من بيع الاراضي فليكن.
وهنا اود ان اتطرّق الى جزء محدّد من هذه الاملاك، وهي الاراضي المخصّصة لسكة القطار على الطريق البحري، ولا يتمّ الاستفادة منها وتركها على أمل إعادة بناء قطار حديث على الخط القديم نفسه، وهذا توجّه غير مجدٍ اقتصادياً لأسباب عدة:
- أنّه يشوّه الشاطئ ولا يشكّل قيمة مضافة لحركة النقل والمواصلات
- الافضل ان تُباع هذه الأملاك، وحتى لو لم نكن في أزمة اقتصادية، لأنّ من الممكن استثمارها في مشاريع سياحية مهمة على طول الشاطئ، تشكّل قيمة مضافة للسياحة اللبنانية، وهي قطاع مهمّ في لبنان.
- غير صالح للنقل، فهو كثير التعرّج ولا يصلح ليسير عليه قطار حديث سريع.
- انّ اي استثمار في الخط القديم يُعتبر هدر مال عام غير مسؤول .
ولديّ فكرة لمشروع مواصلات مهمّ على الصعيد الوطني، سأشرحه بالتفصيل في المقال المقبل.
يجب التفكير اليوم بحكمة في ورثة الأجيال القادمة، فإما ان نورثهم بلداً فاقداً للثقة، ينتقل من أزمة الى أخرى، كمثال الارجنتين، البلد الغني بالموارد والمساحات، واما نورثهم بلداً متطوراً محط ثقة وجاذباً للاستثمارات، مثال سنغافورة، هذا البلد الذي رأسماله 715 كيلومتراً من المستنقعات، ولكنه نجح ان يكون معجزة اقتصادية ودرساً قي كيفية إدارة الدول، ولكن «بدّك مين يتعلّم».