لم تنجح السعودية عام 2018 في مسعاها لانهاء مسيرة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري السياسية، لانها لم تأخذ في الحسبان تعنّت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ودعم حزب الله والقوى اللبنانية للحركة الناشطة التي برزت وجعلت العالم يتدخل لفك اسر رئيس حكومة لبنان آنذاك. ومنذ تلك اللحظة، لم يكن هناك اي سرّ بأن العلاقة بين رئيس تيار المستقبل والرياض، تشهد توتراً علنياً تمثل بندرة الزيارات التي قام بها الحريري الى السعودية، وتراجع الدعم السعودي الكبير الذي كان يحضر سابقاً عند كل مناسبة يكون فيها الحريري في خطر، ناهيك عن زيادة مضطردة لنفوذ شخصيات في الطائفة السنّية شكّلت اضعافاً لمكانة رئيس الحكومة السابق في بيئته، كما تم العمل ايضاً على التضييق المالي والاقتصادي عليه ما جعل وضعه اكثر حرجاً.
اليوم، يجد رئيس تيار المستقبل نفسه مرة جديدة في وضع حرج، انما هذه المرة بشكل خطير لان المعركة باتت حرجة جداً وقد تكون مصيرية بعد دخول عضو آخر من آل الحريري على الخط، هو بهاء. تردد اسم الأخير للمرة الاولى فور اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005، وهو كان قاب قوسين او ادنى من وراثة الموقع السياسي قبل تدخل سعودي حازم في اللحظة الاخيرة ازاحه من الصورة ودفع بسعد الى الواجهة. البصمات السعودية تغيّرت عام 2018 بعد "اجبار" سعد على الاستقالة من الرياض، وتردد اسم بهاء بقوة ليكون البديل المرضي عنه، لكن الرياح لم تجر كما اشتهت السفن السعودية في حينه، لاعتبارات واسباب عديدة منها ما هو اقليمي ودولي، ومنها ما هو محلي، فالتقت كل المصالح في حينه لتقف في وجه بهاء وتبتسم لعودة سعد الى الربوع اللبنانية وبقائه في السراي الكبير. في المحطتين السابقتين، كان سعد يعتمد على التحوّلات الخارجية لتدعيم نفسه وتثبيت زعامته وترسيخ موقعه الرسمي، ولكن اليوم ليس كما في الامس، وهناك الكثير من الاسباب التي تدفعه الى الشعور بالخطر الحقيقي على مستقبله السياسي. ولا شك ان توقيت كلام بهاء في السياسة هذه المرة له وقع آخر، فالالتفاف العام حول سعد لم يعد موجوداً، والدعم الدولي خفّ بطبيعة الحال، وخسارة رئاسة الحكومة بشكل مجّاني عبر خطوة الاستقالة التي قام بها لم تكن دون عواقب وتداعيات كارثيّة بالنسبة اليه.
اضافة الى ذلك، يأتي بهاء في هذه الظروف الصعبة، وهو يحظى بدعم جدّي من السعودية ومن الكثير من الدول الغربية، علماً ان وضعه المالي افضل بأشواط من وضع شقيقه الذييعاني من ضائقة مالية معروفة، كما انّ بهاء بدأ خلال فترة سابقة على ما يبدو، اعداد العدّة محلياً لامكان عودته، فنسج شبكة اتصالات مهمة مع اكثر من طائفة ومذهب قد تؤمّن له الحد المطلوب في سبيل اعطائه الحيثية المحلية الضرورية لتثبيت قدميه في المجال السياسي. قد يشكّل بهاء اليوم السلاح الاكثر فتكاً بالنسبة الى سعد، لكن الاخير لا يزال يراهن على ميزة تعطيه الافضلية وهي مرونته السياسية، وهو امر اكثر من اساسي على الساحة اللبنانية. واذا كان ما يقال عن بهاء صحيح لجهة طبيعته الجامدة في التعاطي، فهذا الامر سيؤثر حتماً على خطابه السياسي، وسيجعل الاطراف اللبنانية الاخرى بالغة الحذر في التعاطي معه او حتى مد اليد اليه للتعاون، واذا فقدت هذه الميزة، فمن المرجّح ان يكون بهاء قد فضّل التضحية بشكل مبكر بستقبله السياسي، وسيكون سعد اكثر الفرحين بهذا الامر لانه سيزيح عن كاهله عبء شقيقه مرة واحدة واخيرة.
انها المواجهة الكبرى، فلمن سيكتب الانتصار؟.